نطل عمره نغير خلقه، ونجعله على عكس ما كان عليه أولا من القوة والطراوة. قال الزجاج: المعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه، فصار بدل القوة الضعف، وبدل الشباب الهرم، ومثل هذه الآية قوله سبحانه - ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا - وقوله - ثم رددناه أسفل سافلين - ومعنى (أفلا تعقلون) أفلا تعلمون بعقولكم أن من قدر على ذلك قدر على البعث والنشور. قرأ الجمهور " يعقلون " بالتحتية. وقرأ نافع وابن ذكوان بالفوقية على الخطاب. ولما قال كفار مكة: إن القرآن شعر، وإن محمدا شاعر رد الله عليهم بقوله (وما علمناه الشعر) والمعنى: نفي كون القرآن شعرا، ثم نفى أن يكون النبي شاعرا، فقال (وما ينبغي له) أي لا يصح له الشعر ولا يتأتى منه ولا يسهل عليه لو طلبه وأراد أن يقوله، بل كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن ينشد بيتا قد قاله شاعر متمثلا به كسر وزنه، فإنه لما أنشد بيت طرفة بن العبد المشهور، وهو قوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا * ويأتيك بالأخبار من لم تزود قال: ويأتيك من لم تزوده بالأخبار وأنشد مرة أخرى قول العباس بن مرداس السلمي:
أتجعل نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع فقال: بين الأقرع وعيينة، وأنشد أيضا * كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا * فقال أبو بكر:
يا رسول الله إنما قال الشاعر * كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا * فقال: أشهد أنك رسول الله، يقول الله عز وجل - وما علمناه الشعر وما ينبغي له - وقد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم كثير من مثل هذا. قال الخليل كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كثير من الكلام، ولكن لا يتأتى منه، ووجه عدم تعليمه الشعر وعدم قدرته عليه، التكميل للحجة والدحض للشبهة، كما جعله الله أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأما ما روي عنه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت وقوله: أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب ونحو ذلك، فمن الاتفاق الوارد من غير قصد كما يأتي ذلك في بعض آيات القرآن، وليس بشعر ولا مراد به الشعر، بل اتفق ذلك اتفاقا كما يقع في كثير من كلام الناس، فإنهم قد يتكلمون بما لو اعتبره معتبر لكان على وزن الشعر ولا يعدونه شعرا، وذلك كقوله تعالى - لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون - وقوله - وجفان كالجواب وقدور راسيات - على أنه قد قال الأخفش إن قوله * أنا النبي لا كذب * ليس بشعر. وقال الخليل في كتاب العين:
إن ما جاء من السجع على جزءين لا يكون شعرا. قال ابن العربي: والأظهر من حاله أنه قال لا كذب برفع الباء من كذب، وبخفضها من عبد المطلب. قال النحاس: قال بعضهم: إنما الرواية بالإعراب، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا، لأنه إذا فتح الباء من الأول أو ضمهما أو نونها وكسر الباء من الثاني خرج عن وزن الشعر. وقيل إن الضمير في له عائد إلى القرآن أي وما ينبغي للقرآن أن يكون شعرا (إن هو إلا ذكر) أي ما القرآن إلا ذكر من الأذكار وموعظة من المواعظ (وقرآن مبين) أي كتاب من كتب الله السماوية مشتمل على الأحكام الشرعية (لينذر من كان حيا) أي لينذر القرآن من كان حيا: أي قلبه صحيح يقبل الحق ويأبى الباطل، أو لينذر الرسول من كان حيا. قرأ الجمهور بالياء التحتية، وقرأ نافع وابن عامر بالفوقية، فعلى القراءة الأولى المراد القرآن، وعلى الثانية