(لا يحطمنكم سليمان وجنوده) الحطم الكسر، يقال حطمته حطما: أي كسرته كسرا وتحطم تكسر، وهذا النهي هو في الظاهر للنمل، وفي الحقيقة لسليمان، فهو من باب: لا أرينك هاهنا، ويجوز أن يكون بدلا من الأمر، ويحتمل أن يكون جوابا للأمر. قال أبو حيان: أما تخريجه على جواب الأمر فلا يكون إلا على قراءة الأعمش، فإنه قرأ " لا يحطمكم " بالجزم بدون نون التوكيد، وأما مع وجود نون التوكيد فلا يجوز ذلك إلا في الشعر. قال سيبويه: وهو قليل في الشعر، شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما. وقرأ أبي " ادخلوا مساكنكن " وقرأ شهر بن حوشب " مسكنكم " وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى الهمداني " لا يحطمنكم " بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الطاء، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب وأبو عمرو في رواية بسكون نون التوكيد، وجملة (وهم لا يشعرون) في محل نصب على الحال من فاعل يحطمنكم: أي لا يشعرون بحطمكم ولا يعلمون بمكانكم، وقيل إن المعنى: والنمل لا يشعرون أن سليمان يفهم مقالتها، وهو بعيد (فتبسم ضاحكا من قولها) قرأ ابن السميفع " ضحكا " وعلى قراءة الجمهور يكون ضاحكا حالا مؤكدة لأنه قد فهم الضحك من التبسم، وقيل هي حال مقدره لأن التبسم أول الضحك، وقيل لم كان التبسم قد يكون للغضب كان الضحك مبينا له، وقيل إن ضحك الأنبياء هو التبسم لاغير، وعلى قراءة ابن السميفع يكون ضحكا مصدرا منصوبا بفعل محذوف أو في موضع الحال، وكان ضحك سليمان تعجبا من قولها وفهمها واهتدائها إلى تحذير النمل (وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) قد تقدم بيان معنى أوزعني قريبا في قوله " فهم يوزعون " قال في الكشاف: وحقيقة أوزعني: اجعلني أزع شكر نعمك عندي وأكفه وأرتبطه لا ينفلت عني حتى لا أنفك شاكرا لك انتهى. قال الواحدي: أوزعني أي ألهمني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي، يقال فلان موزع بكذا: أي مولع به انتهى. قال القرطبي: وأصله من وزع، فكأنه قال: كفني عما يسخطك انتهى. والمفعول الثاني لأوزعني هو: أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي، وقال الزجاج: إن معنى أوزعني: امنعني أن أكفر نعمتك، وهو تفسير باللازم، ومعنى وعلى والدي: الدعاء منه بأن يوزعه الله شكر نعمته على والديه كما أوزعه شكر نعمته عليه، فإن الإنعام عليهما إنعام عليه، وذلك يستوجب الشكر منه لله سبحانه، ثم طلب أن يضيف الله له لواحق نعمه إلى سوابقها، ولا سيما النعم الدينية، فقال (وأن أعمل صالحا ترضاه) أي عملا صالحا ترضاه مني، ثم دعا أن يجعله الله سبحانه في الآخرة داخلا في زمرة الصالحين فإن ذلك هو الغاية التي يتعلق الطلب بها، فقال (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) والمعنى:
أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي في أسمائهم، واحشرني في زمرتهم إلى دار الصالحين وهي الجنة، اللهم وإني أدعوك بما دعاك به هذا النبي الكريم فتقبل ذلك مني وتفضل علي به، فإني وإن كنت مقصرا في العمل ففضلك هو سبب الفوز بالخير، فهذه الآية منادية بأعلى صوت وأوضح بيان بأن دخول الجنة التي هي دار المؤمنين بالتفضل منك لا بالعمل منهم كما قال رسولك الصادق المصدوق فيما ثبت عنه في الصحيح " سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " فإذا لم يكن إلا تفضلك الواسع فترك طلبه منك عجز، والتفريط في التوسل إليك بالإيصال إليه تضييع. ثم شرع سبحانه في ذكر قصة بلقيس وما جرى بينها وبين سليمان، وذلك بدلالة الهدهد فقال (وتفقد الطير) التفقد تطلب ما غاب عنك وتعرف أحواله، والطير اسم جنس لكل ما يطير، والمعنى: أنه تطلب ما فقد من الطير وتعرف حال ما غاب منها، وكانت الطير تصحبه في سفره، وتظله بأجنحتها (فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) أي