فكيف يجمع بين هذين المعنيين المختلفين في لفظ يصلون، ويقال على القول الأول أنه أريد بيصلون معنى مجازى يعم المعنيين، وذلك بأن يراد بقوله يصلون يهتمون بإظهار شرفه، أو يعظمون شأنه، أو يعتنون بأمره. وحكى البخاري عن أبي العالية أن صلاة الله سبحانه ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء. وروى الترمذي في سننه عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم أنهم قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.
وحكى الواحدي عن مقاتل أنه قال: أما صلاة الرب فالمغفرة، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار. وقال عطاء بن أبي رباح: صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي. والمقصود من هذه الآية أن سبحانه أخبر عباده بمنزلة نبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثنى عليه عند ملائكته وأن الملائكة تصلي عليه، وأمر عباده بأن يقتدوا بذلك ويصلوا عليه.
وقد اختلف أهل العلم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي واجبة أم مستحبة؟ بعد اتفاقهم على أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة. وقد حكى هذا الإجماع القرطبي في تفسيره، فقال قوم من أهل العلم: إنها واجبة عند ذكره، وقال قوم: تجب في كل مجلس مرة. وقد وردت أحاديث مصرحة بذم من سمع ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يصل عليه.
واختلف العلماء في الصلاة علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تشهد الصلاة المفترضة هل هي واجبة أم لا؟
فذهب الجمهور إلى أنها فيها سنة مؤكدة غير واجبة. قال ابن المنذر: يستحب أن لا يصلي أحد صلاة إلا صلى فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ترك ذلك تارك فصلاته مجزئة في مذهب مالك وأهل المدينة وسفيان الثوري وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم، وهو قول جمهور أهل العلم. قال: وشذ الشافعي فأوجب على تاركها الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان، وهذا القول عن الشافعي لم يروه عنه إلا حرملة بن يحيى ولا يوجد عن الشافعي إلا من روايته. قال الطحاوي: لم يقل به أحد من أهل العلم غير الشافعي. وقال الخطابي، وهو من الشافعية: إنها ليست بواجبة في الصلاة. قال: وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي ولا أعلم له في ذلك قدوة انتهى. وقد قال يقول الشافعي جماعة من أهل العلم منهم الشعبي والباقر ومقاتل بن حيان، وإليه ذهب أحمد بن حنبل أخيرا، كما حكاه أبو زرعة الدمشقي، وبه قال ابن راهويه وابن المواز من المالكية.
وقد جمعت في هذه المسألة رسالة مستقلة ذكرت فيها ما احتج به الموجبون لها وما أجاب به الجمهور، وأشف ما يستدل به على الوجوب الحديث الثابت بلفظ " إن الله أمرنا أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك في صلاتنا، فقال قولوا " الحديث. فإن هذا الأمر يصلح للاستدلال به على الوجوب. وأما على بطلان الصلاة بالترك ووجوب الإعادة لها فلا، لأن الواجبات لا يستلزم عدمها العدم كما يستلزم ذلك الشروط والأركان.
وأعلم أنه قد ورد في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة لو جمعت لجاءت في مصنف مستقل ولو لم يكن منها إلا الأحاديث الثابتة في الصحيح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا " فناهيك بهذه الفضيلة الجليلة والمكرمة النبيلة. وأما صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقد وردت فيها صفات كثيرة بأحاديث ثابتة في الصحيحين وغيرهما، منها ما هو مقيد بصفة الصلاة عليه في الصلاة، ومنها ما هو مطلق، وهي معروفة في كتب الحديث فلا نطيل بذكرها. والذي يحصل به الامتثال لمطلق الأمر في هذه الآية هو أن يقول القائل: اللهم صلي وسلم على رسولك، أو على محمد أو على النبي،