يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتهما مع أن لجمع البنات دلالة على ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد، ولم يحسن هذا الاختصار في العمة والخالة لإمكان سبق الوهم إلى أن التاء فيهما للوحدة انتهى. وكل وجه من هذه الوجوه يحتمل المناقشة بالنقض والمعارضة، وأحسنها تعليل جمع العمة والخالة بسبق الوهم إلى أن التاء للوحدة، وليس في العم والحال ما يسبق الوهم إليه بأنه أريد به الوحدة إلا مجرد صيغة الإفراد وهي لا تقتضي ذلك بعد إضافتها لما تقرر من عموم أسماء الأجناس المضافة، على أن هذا الوجه الأحسن لا يصفو عن شوب المناقشة (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) هو معطوف على مفعول أحللنا: أي وأحللنا لك امرأة مصدقة بالتوحيد إن وهبت نفسها منك بغير صداق. وأما من لم تكن مؤمنة فلا تحل لك بمجرد هبتها نفسها لك. ولكن ليس ذلك بواجب عليك بحيث يلزمك قبول ذلك، بل مقيدا بإرادتك، ولهذا قال (إن أراد النبي أن يستنكحها) أي يصيرها منكوحة له ويتملك بضعها بتلك الهبة بلا مهر. وقد قيل إنه لم ينكح النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الواهبات أنفسهن أحدا ولم يكن عنده منهن شئ. وقيل كان عنده منهن خولة بنت حكيم كما في صحيح البخاري عن عائشة. وقال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث. وقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الأنصارية أم المساكين. وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل: هي أم شريك بنت جابر الأسدية. وقال عروة بن الزبير: هي أم حكيم بنت الأوقص السلمية. ثم بين سبحانه أن هذا النوع من النكاح خاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لغيره من أمته فقال (خالصة لك من دون المؤمنين) أي هذا الإحلال الخالص هو خاص بك دون غيرك من المؤمنين. ولفظ خالصة إما حال من امرأة، قاله الزجاج. أو مصدر مؤكد كوعد الله: أي خالص لك خلوصا. قرأ الجمهور " وامرأة " بالنصب.
وقرأ أبو حيوة بالرفع على الابتداء. وقرأ الجمهور " إن وهبت " بكسر إن. وقرأ أبي والحسن وعيسى بن عمر بفتحها على أنه بدل من امرأة بدل اشتمال. أو على حذف لام العلة: أي لأن وهبت. وقرأ الجمهور " خالصة " بالنصب، وقرئ بالرفع على أنها صفة لامرأة على قراءة من قرأ امرأة بالرفع، وقد أجمع العلماء على أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه لا يجوز لغيره ولا ينعقد النكاح بهبة المرأة نفسها إلا ما روي عن أبي حنيفة وصاحبيه أنه يصح النكاح إذا وهبت، وأشهد هو على نفسه بمهر. وأما بدون مهر فلا خلاف في أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا قال (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) أي ما فرضه الله سبحانه على المؤمنين في حق أزواجهم من شرائط العقد وحقوقه، فإن ذلك حق عليهم مفروض لا يحل لهم الاخلال به، ولا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما خصه الله به توسعة عليه وتكريما له، فلا يتزوجوا إلا أربعا بمهر وبينة وولي (وما ملكت أيمانهم) أي وعلمنا ما فرضنا عليهم فيما ملكت أيمانهم من كونهن ممن يجوز سبيه وحربه، لا من كان لا يجوز سبيه أو كان له عهد من المسلمين (لكيلا يكون عليك حرج). قال المفسرون: هذا يرجع إلى أول الآية: أي أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لكيلا يكون عليك حرج، فتكون اللام متعلقة بأحللنا، وقيل هي متعلقة بخالصة، والأول أولى والحرج الضيق: أي وسعنا عليك في التحليل لك لئلا يضيق صدرك، فتظن أنك قد أثمت في بعض المنكوحات (وكان الله غفورا رحيما) يغفر الذنوب ويرحم العباد، ولذلك وسع الأمر ولم يضيقه (ترجى من تشاء منهن) قرئ " ترجى " مهموزا وغير مهموز، وهما لغتان، والإرجاء التأخير، يقال: أرجأت الأمر وأرجيته: إذا أخرته (وتؤوي إليك من تشاء) أي تضم إليك، يقال آواه إليه بالمد: ضمه إليه، وأوى مقصورا: أي ضم إليه، والمعنى: أن الله وسع على رسوله وجعل الخيار إليه في نسائه، فيؤخر من شاء منهن ويؤخر نوبتها ويتركها ولا يأتيها من غير طلاق، ويضم إليه من شاء منهن