أزواج) أي تتبدل فحذفت إحدى التاءين: أي ليس لك أن تطلق واحدة منهن أو أكثر وتتزوج بدل من طلقت منهن، و " من " في قوله (من أزواج) مزيدة للتأكيد. وقال ابن زيد: هذا شئ كانت العرب تفعله يقول:
خذ زوجتي وأعطني زوجتك، وقد أنكر النحاس وابن جرير ما ذكره ابن زيد. قال ابن جرير: ما فعلت العرب هذا قط. ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي. فأنزل الله عز وجل (ولا أن تبدل بهن). وأخرجه أيضا عنه البزاز وابن مردويه، وجملة (ولو أعجبك حسنهن) في محل نصب على الحال من فاعل تبدل، والمعنى:
أنه لا يحل التبدل بأزواجك ولو أعجبك حسن غيرهن ممن أردت أن تجعلها بدلا من إحداهن، وهذا التبدل أيضا من جملة ما نسخه الله في حق رسوله على القول الراجح. وقوله (إلا ما ملكت يمينك) استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والإماء.
وقد اختلف العلماء في تحليل الأمة الكافرة. القول الأول: أنها تحل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لعموم هذه الآية، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم. القول الثاني: أنها لا تحل له تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة. ويترجح القول بعموم هذه الآية، وتعليل المنع بالتنزه ضعيف فلا تنزه عما أحله الله سبحانه، فإن ما أحله فهو طيب لا خبيث باعتبار ما يتعلق بأمور النكاح، لا باعتبار غير ذلك، فالمشركون نجس بنص القرآن.
ويمكن ترجيح القول الثاني بقوله سبحانه - ولا تمسكوا بعصم الكوافر - فإنه نهي عام (وكان الله على كل شئ رقيبا) أي مراقبا حافظا مهيمنا لا يخفى عليه شئ ولا يفوته شئ.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (إذا نكحتم المؤمنات) قال: هذا في الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها تتزوج من شاءت، ثم قال (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) يقول: إن كان سمى لها صداقا فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمى لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) منسوخة نسختها التي في البقرة - فنصف ما فرضتم -. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وأبى العالية قالا: ليست بمنسوخة، لها نصف الصداق ولها المتاع. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول: إن طلق ما لم ينكح فهو جائز، فقال ابن عباس أخطأ في هذا، إن الله يقول (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية وقال: لا يكون طلاق حتى يكون نكاح. وقد وردت أحاديث منها أنه " لا طلاق إلا بعد نكاح " وهي معروفة. وأخرج ابن سعد وابن راهويه وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب. قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتذرت إليه فعذرني، فأنزل الله (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) إلى قوله (هاجرن معك) قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت: نزلت في هذه الآية (وبنات عمك وبنات عماتك اللاتي هاجرن معك) أراد النبي أن يتزوجني، فنهى عني إذ لم أهاجر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (إنا أحللنا لك أزواجك) إلى قوله (خالصة لك) قال فحرم الله عليه سوى ذلك من النساء، وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء لم يحرم ذلك