كريما) أي أعد لهم في الجنة رزقا حسنا ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم. ثم ذكر سبحانه صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أرسله لها فقال (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) أي على أمته يشهد لمن صدقه وآمن به، وعلى من كذبه وكفر به. قال مجاهد: شاهدا على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم إليهم (ومبشرا) للمؤمنين برحمة الله وبما أعده لهم من جزيل الثواب وعظيم الأجر (ونذيرا) للكافرين والعصاة بالنار، وبما أعده الله لهم من عظيم العقاب (وداعيا إلى الله) يدعون عباد الله إلى التوحيد والإيمان بما جاء به، والعمل بما شرعه لهم، ومعنى قوله (بإذنه) بأمره له بذلك وتقديره، وقيل بتبشيره (وسراجا منيرا) أي يستضاء به في ظلم الضلالة كما يستضاء بالمصباح في الظلمة. قال الزجاج (وسراجا) أي ذا سراج منير أي كتاب نير، وانتصاب شاهدا وما بعده على الحال (وبشر المؤمنين) عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قال فاشهد وبشر، أو فدبر أحوال الناس (وبشر المؤمنين) أو هو من عطف جملة على جملة، وهي المذكورة سابقا، ولا يمنع من ذلك الاختلاف بين الجملتين بالإخبار والإنشاء. أمره سبحانه بأن يبشرهم بأن لهم من الله فضلا كبيرا على سائر الأمم، وقد بين ذلك سبحانه بقوله - والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير - ثم نهاه سبحانه عن طاعة أعداء الدين فقال (ولا تطع الكافرين والمنافقين) أي لا تطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة في الدين، وفي الآية تعريض لغيره من أمته لأنه صلى الله عليه وآله وسلم معصوم عن طاعتهم في شئ مما يريدونه ويشيرون به عليه، وقد تقدم تفسير هذه الآية في أول السورة (ودع أذاهم) أي لا تبال بما يصدر منهم إليك من الأذى بسبب يصيبك في دين الله وشدتك على أعدائه، أو دع أن تؤذيهم مجازاة لهم على ما يفعلونه من الأذى لك، فالمصدر على الأول مضاف إلى الفاعل. وعلى الثاني مضاف إلى المفعول، وهي منسوخة بآية السيف (وتوكل على الله) في كل شؤونك (وكفى بالله وكيلا) توكل إليه الأمور وتفوض إليه الشؤون، فمن فوض إليه أموره كفاه، ومن وكل إليه أحواله لم يحتج فيها إلى سواه.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (اذكروا الله ذكرا كثيرا) يقول:
لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها أجلا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، فقال: اذكروا الله قياما وقعودا، وعلى جنوبكم بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى والفقر، في الصحة والسقم، في السر والعلانية وعلى كل حال، وقال (وسبحوه بكرة وأصيلا) إذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله (هو الذي يصلي عليكم وملائكته).
وقد ورد في فضل الذكر والاستكثار منه أحاديث كثيرة وقد صنف في الأذكار المتعلقة بالليل والنهار جماعة من الأئمة كالنسائي والنووي والجزري وغيرهم، وقد نطقت الآيات القرآنية بفضل الذاكرين وفضيلة الذكر - ولذكر الله أكبر - وقد ورد أنه أفضل من الجهاد كما في حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد والترمذي والبيهقي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيرا، قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون أفضل منه درجة ". وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب