عليها (فيقولوا هل نحن منظرون) أي مؤخرون وممهلون. قالوا هذا تحسرا على ما فات من الإيمان، وتمنيا للرجعة إلى الدنيا لاستدراك ما فرط منهم. وقيل إن المراد بقولهم (هل نحن منظرون) الاستعجال للعذاب على طريقة الاستهزاء لقوله (أفبعذابنا يستعجلون) ولا يخفى ما في هذا من البعد والمخالفة للمعنى الظاهر، فإن معنى (هل نحن منظرون) طلب النظرة والإمهال، وأما قوله (أفبعذابنا يستعجلون) فالمراد به الرد عليهم والإنكار لما وقع منهم من قولهم - أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم - وقولهم - فأتنا بما تعدنا - (أفرأيت إن متعناهم سنين) الاستفهام للإنكار، والفاء للعطف على مقدر يناسب المقام كما مر في غير موضع، ومعنى أرأيت أخبرني، والخطاب لكل من يصلح له: أي أخبرني إن متعناهم سنين في الدنيا متطاولة، وطولنا لهم الأعمار (ثم جاءهم ما كانوا يوعدون) من العذاب والهلاك (ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) ما هي الاستفهامية، والمعنى: أي شئ أغنى عنهم كونهم ممتعين ذلك التمتع الطويل، و " ما " في ما كانوا يمتعون يجوز أن تكون المصدرية، ويجوز أن تكون الموصولة والاستفهام للإنكار التقريري، ويجوز أن تكون ما الأولى نافية، والمفعول محذوف: أي لم يغن عنهم تمتيعهم شيئا، وقرئ يمتعون بإسكان الميم وتخفيف التاء من أمتع الله زيدا بكذا (وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) من مزيدة للتأكيد: أي وما أهلكنا قرية من القرى إلا لها منذرون. وجملة (إلا لها منذرون) يجوز أن تكون صفة لقرية، ويجوز أن تكون حالا منها، وسوغ ذلك سبق النفي، والمعنى: ما أهلكنا قرية من القرى إلا بعد الأنذار إليهم والإعذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وقوله (ذكرى) بمعنى تذكرة، وهي في محل نصب على العلة أو المصدرية. وقال الكسائي: ذكرى في موضع نصب على الحال، وقال الفراء والزجاج: إنها في موضع نصب على المصدرية: أي يذكرون ذكرى. قال النحاس: وهذا قول صحيح، لأن معنى (إلا لها منذرون) إلا لها مذكرون. قال الزجاج: ويجوز أن يكون ذكرى في موضع رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف:
أي إنذارنا ذكرى، أو ذلك ذكرى. قال ابن الأنباري: المعنى هي ذكرى، أو يذكرهم ذكرى، وقد رجح الأخفش أنها خبر مبتدأ محذوف (وما كنا ظالمين) في تعذيبهم، فقد قدمنا الحجة إليهم وأنذرناهم وأعذرنا إليهم (وما تنزلت به الشياطين) أي بالقرآن، وهذا رد لما زعمه الكفرة في القرآن أنه من قبيل ما يلقيه الشياطين على الكهنة (وما ينبغي لهم) ذلك، ولا يصح منهم (وما يستطيعون) ما نسبه الكفار إليهم أصلا (إنهم عن السمع) للقرآن، أو لكلام الملائكة (لمعزولون) محجوبون مرجومون بالشهب. وقرأ الحسن وابن السميفع والأعمش " وما تنزلت به الشياطين " بالواو والنون إجراء له مجرى جمع السلامة. قال النحاس: وهذا غلط عند جميع النحويين.
قال: وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: هذا من غلط العلماء، وإنما يكون بشبهة لما رأى الحسن في آخره ياء ونونا، وهو في موضع رفع اشتبه عليه بالجمع السالم فغلط. قال الفراء: غلط الشيخ:
يعني الحسن، فقيل ذلك للنضر بن شميل فقال: إن جاز أن يحتج بقول رؤبة والعجاج وذويهما جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه: يعني محمد بن السميفع مع أنا نعلم أنهما لم يقرأ بذلك إلا وقد سمعا فيه شيئا. وقال المؤرج: إن كان الشيطان من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه. قال يونس بن حبيب: سمعت أعرابيا يقول: دخلنا بساتين من ورائها بساتون. ثم لما قرر سبحانه حقية القرآن وأنه منزل من عنده أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بدعاء الله وحده فقال (ولا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين) وخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا مع كونه منزها عنه معصوما منه لحث العباد على التوحيد ونهيهم عن شوائب الشرك، وكأنه قال: أنت أكرم الخلق علي وأعزهم عندي ولو اتخذت معي إلها لعذبتك، فكيف بغيرك من العباد (وأنذر عشيرتك الأقربين) خص الأقربين لأن