قوله (كذبت قوم نوح المرسلين) أنث الفعل لكونه مسندا إلى قوم، وهو في معنى الجماعة أو الأمة أو القبيلة، وأوقع التكذيب على المرسلين، وهم لم يكذبوا إلا الرسول المرسل إليهم، لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل، لأن كل رسول يأمر بتصديق غيره من الرسل. وقيل كذبوا نوحا في الرسالة وكذبوه فيما أخبرهم به من مجيء المرسلين بعده (إذ قال لهم أخوهم نوح) أي أخوهم من أبيهم، لا أخوهم في الدين. وقيل هي أخوة المجانسة، وقيل هو من قول العرب: يا أخا بنى تميم، يريدون واحدا منهم (ألا تتقون) أي ألا تتقون الله بترك عبادة الأصنام وتجيبون رسوله الذي أرسله إليكم (إني لكم رسول أمين) أي إني لكم رسول من الله أمين فيما أبلغكم عنه، وقيل أمين فيما بينكم، فإنهم كانوا قد عرفوا أمانته وصدقه (فاتقوا الله وأطيعون) أي اجعلوا طاعة الله وقاية لكم من عذابه وأطيعون فيما آمركم به عن الله من الإيمان به وترك الشرك والقيام بفرائض الدين (وما أسألكم عليه من أجر) أي ما أطلب منكم أجرا على تبليغ الرسالة ولا أطمع في ذلك منكم (إن أجرى) الذي اطلبه وأريده (إلا على رب العالمين) أي على ما أجري إلا عليه، وكرر قوله (فاتقوا الله وأطيعون) للتأكيد والتقرير في النفوس مع كونه علق كل واحد منهم بسبب، وهو الأمانة في الأول، وقطع الطمع في الثاني، ونظيره قولك: ألا تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيرا، ألا تتقئ الله في عقوقي وقد علمتك كبيرا، وقدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته، لأن تقوى الله علة لطاعته (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) الاستفهام للإنكار: أي كيف نتبعك ونؤمن لك، والحال أن قد أتبعك الأرذلون، وهم جمع أرذل، وجمع التكسير أرذال، والأنثى رذلى. وهم الأقلون جاها ومالا
(١٠٨)