السلام بالدعوة الأولى سعادة الدنيا طلب بهذه الدعوة سعادة الآخرة، وهي جنة النعيم، وجعلها مما يورث تشبيها لغنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا، وقد تقدم تفسير معنى الوراثة في سورة مريم (واغفر لأبي إنه كان من الضالين) كان أبوه قد وعده أنه يؤمن به، فاستغفر له فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه، وقد تقدم تفسير هذا مستوفى في سورة التوبة وسورة مريم، ومعنى " من الضالين " من المشركين الضالين عن طريق الهداية، وكان زائدة على مذهب سيبويه كما تقدم في غير موضع (ولا تحزني يوم يبعثون) أي لا تفضحني على رؤوس الأشهاد بمعاتبتي، أو لا تعذبني يوم القيامة، أو لا تخزني بتعذيب أبى أو ببعثه في جملة الضالين، والإخزاء يطلق على الخزي وهو الهوان، وعلى الخزاية وهي الحياء، و (يوم لا ينفع مال ولا بنون) بدل من يوم يبعثون: أي يوم لا ينفع فيه المال والبنون أحدا من الناس، والابن هو أخص القرابة وأولاهم بالحماية والدفع والنفع، فإذا لم ينفع فغيره من القرابة والأعوان بالأولى. وقال ابن عطية: إن هذا وما بعده من كلام الله، وهو ضعيف، والاستثناء بقوله (إلا من أتى الله بقلب سليم) قيل هو منقطع: أي لكن من أتى الله بقلب سليم. قال في الكشاف: إلا حال من أتى الله بقلب سليم، فقدر مضافا محذوفا. قال أبو حيان: ولا ضرورة تدعوا إلى ذلك. وقيل إن هذا الاستثناء بدل من المفعول المحذوف، أو مستثنى منه، إذ التقدير لا ينفع مال ولا بنون أحدا من الناس إلا من كانت هذه صفته، ويحتمل أن يكون بدلا من فاعل ينفع، فيكون مرفوعا. قال أبو البقاء: فيكون التقدير: إلا مال من أو بنو من فإنه ينفع.
واختلف في معنى القلب السليم، فقيل السليم من الشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد، قاله أكثر المفسرين. وقال سعيد بن المسيب: القلب السليم الصحيح، وهو قلب المؤمن، لأن قلب الكافر والمنافق مريض، وقيل هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة، وقيل السالم من آفة المال والبنين. وقال الضحاك: السليم الخالص. وقال الجنيد: السليم في اللغة اللديغ، فمعناه: أنه قلب كاللديغ من خوف الله تعالى، وهذا تحريف وتعكيس لمعنى القران. قال الرازي: أصح الأقوال أن المراد منه سلامة النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة (وأزلفت الجنة للمتقين) أي قربت وأدنيت لهم ليدخلوها. وقال الزجاج: قرب دخولهم إياها ونظرهم إليها (وبرزت الجحيم للغاوين) أي جعلت بارزة لهم، والمراد بالغاوين الكافرون، والمعنى: أنها أظهرت قبل أن يدخلها المؤمنون ليشتد حزن الكافرين ويكثر سرور المؤمنين (وقل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله) من الأصنام والأنداد (هل ينصرونكم) فيدفعون عنكم العذاب (أو ينتصرون) بدفعه عن أنفسهم. وهذا كله توبيخ وتقريع لهم، وقرأ مالك بن دينار " وبرزت " بفتح الباء والراء مبنيا للفاعل (فكبكبوا فيها هم والغاوون) أي ألقوا في جهنم هم: يعني المعبودين والغاوون: يعني العابدين لهم. وقيل معنى كبكبوا: قلبوا على رؤوسهم، وقيل ألقى بعضهم على بعض، وقيل جمعوا، مأخوذ من الكبكبة وهي الجماعة قاله الهروي. وقال النحاس: هو مشتق من كوكب الشئ: أي معظمه، والجماعة من الخيل كوكب وكبكبة، وقيل دهدهوا، وهذه المعاني متقاربة، وأصله كببوا بباءين الأولى مشددة من حرفين، فأبدل من الباء الوسطى الكاف. وقد رجح الزجاج أن المعنى: طرح بعضهم على بعض. ورجح ابن قتيبة أن المعنى: ألقوا على رؤوسهم. وقيل الضمير في كبكبوا لقريش، والغاوون الآلهة، والمراد بجنود إبليس شياطينه الذين يغوون العباد، وقيل ذريته وقيل كل من يدعوا إلى عبادة الأصنام، و (أجمعون) تأكيد للضمير في كبكبوا وما عطف عليه، وجملة (قالوا وهم فيها يختصون) مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ماذا قالوا حين فعل بهم ما فعل، ومقول القول (تالله إن كنا لفي ضلال مبين) وجملة: وهم فيها يختصمون في محل نصب على الحال: أي قالوا هذه المقالة حال كونهم في جهنم مختصمين، و " إن " في إن