ذلك ثقة من فرعون بالظهور وطلبا أن يكون بمجمع من الناس حتى لا يؤمن بموسى أحد منهم، فوقع ذلك من موسى الموقع الذي يريده، لأنه يعلم أن حجة الله هي الغالبة، وحجة الكافرين هي الداحضة، وفي ظهور حجة الله بمجمع من الناس زيادة في الاستظهار للمحقين، والانقهار للمبطلين، ومعنى (لعلنا نتبع السحرة) نتبعهم في دينهم (إن كانوا هم الغالبين) والمراد باتباع السحرة في دينهم هو البقاء على ما كانوا عليه، لأنه دين السحرة إذ ذاك والمقصود المخالفة لما دعاهم إليه موسى، فعند ذلك طلب السحرة من موسى الجزاء على ما سيفعلونه ف (قال لفرعون أئن لنا لأجرا) أي لجزاء تجزينا به من مال أو جاه، وقيل أرادوا إن لنا ثوابا عظيما، ثم قيدوا ذلك بظهور غلبتهم لموسى، فقالوا (إن كنا نحن الغالبين) فوافقهم فرعون على ذلك و (قال نعم وإنكم إذن لمن المقربين) أي نعم لكم ذلك عندي مع زيادة عليه، وهي كونكم من المقربين لدي (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) وفي آية أخرى - قالوا يا موسى إما أن تلقي وأما نكون نحن الملقين - فيحتمل ما هنا على أنه قال لهم: ألقوا بعد أن قالوا هذا القول، ولم يكن ذلك من موسى عليه السلام أمرا لهم بفعل السحر، بل أراد أن يقهرهم بالحجة ويظهر لهم أن الذي جاء به ليس هو من الجنس الذي أرادوا معارضته به (فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا) عند الألقاء (بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) يحتمل قولهم بعزة فرعون وجهين: الأول أنه قسم، وجوابه إنا لنحن الغالبون، والثاني متعلق بمحذوف، والباء للسببية: أي نغلب بسبب عزته، والمراد بالعزة العظمة (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) قد تقدم تفسير هذا مستوفى. والمعنى: أنها تلقف ما صدر منهم من الإفك بإخراج الشئ عن صورته الحقيقية (فألقي السحرة ساجدين) أي لما شاهدوا ذلك وعلموا أنه صنع صانع حكيم ليس من صنيع البشر ولا من تمويه السحرة، آمنوا بالله وسجدوا له وأجابوا دعوة موسى وقبلوا نبوته، وقد تقدم بيان معنى ألقى، ومن فاعله لوقوع التصريح به، وعند سجودهم (قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) رب موسى عطف بيان لرب العالمين، وأضافوه سبحانه إليهما لأنهما القائمان بالدعوة في تلك الحال. وفيه تبكيت لفرعون بأنه ليس برب، وأن الرب في الحقيقة هو هذا، فلما سمع فرعون ذلك منهم ورأى سجودهم لله ((قال آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي بغير إذن مني، ثم قال مغالطا للسحرة الذين آمنوا، وموهما للناس أن فعل موسى سحر من جنس ذلك السحر (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) وإنما اعترف له بكونه كبيرهم مع كونه لا يحب الاعتراف بشئ يرتفع به شأن موسى، لأنه قد علم كل من حضر أن ما جاء به موسى أبهر مما جاءوا به السحرة، فأراد أن يشكك على الناس بأن هذا الذي شاهدتم وإن كان قد فاق على ما فعله هؤلاء السحرة فهو فعل كبيرهم ومن هو أستاذهم الذي أخذوا عنه هذه الصناعة، فلا تظنوا أنه فعل لا يقدر عليه البشر، وأنه من فعل الرب الذي يدعو إليه موسى، ثم توعد أولئك السحرة الذين آمنوا بالله لما قهرتهم حجة الله، فقال (فلسوف تعلمون) أجمل التهديد أولا للتهويل، ثم فصله فقال (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين) فلما سمعوا ذلك من قوله (قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون) أي لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عقاب الدنيا، فإن ذلك يزول وننقلب بعده إلى ربنا فيعطينا من النعيم الدائم مالا يحد ولا يوصف. قال الهروي: لا ضير ولا ضرر ولا ضر بمعنى واحد، وأنشد أبو عبيدة:
فإنك لا يضرك بعد حول * أظبي كان أمك أم حمار قال الجوهري: ضاره يضوره ويضيره ضيرا وضورا: أي ضره. قال الكسائي: سمعت بعضهم يقول:
لا ينفعني ذلك ولا يضورني (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا) ثم عللوا هذا بقولهم (أنا كنا أول المؤمنين) بنصب أن: أي لأن كنا أول المؤمنين. وأجاز الفراء والكسائي كسرها على أن يكون مجازاة، ومعنى أول