والثاني: أنه الشاهد، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل.
والثالث: أنه المصدق على ما أخبر عن الكتب، وهذا قول ابن زيد، وهو قريب من القول الأول.
والرابع: أنه الرقيب الحافظ، قاله الخليل.
قوله تعالى: (فاحكم بينهم) يشير إلى اليهود (بما أنزل الله إليك) في القرآن (ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق). قال أبو سليمان: المعنى: فترجع عما جاءك. قال ابن عباس: لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن.
قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) قال مجاهد: الشرعة: السنة، والمنهاج:
الطريق. وقال ابن قتيبة: الشرعة والشريعة واحد، والمنهاج: الطريق الواضح. فإن قيل: كيف نسق " المنهاج " على " الشرعة " وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أن بينهما فرقا من وجهين:
أحدهما: أن " الشرعة " ابتداء الطريق، والمنهاج: الطريق المستمر، قاله المبرد.
والثاني: أن " الشرعة " الطريق الذي ربما كان واضحا، وربما كان غير واضح، والمنهاج:
الطريق الذي لا يكون إلا واضحا، ذكره ابن الأنباري. فلما وقع الاختلاف بين الشرعة والمنهاج، حسن نسق أحدهما على الآخر.
والثاني: أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد، وإنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين. قال الحطيئة:
ألا حبذا هند وأرض بها هند * وهند أتى من دونها النأي والبعد فنسق البعد على النأي لما خالفه في اللفظ، وإن كان موافقا له في المعنى، ذكره ابن الأنباري. وأجاب عنه أرباب القول الأول، فقالوا: " النأي " كل ما قل بعده أو كثر كأنه المفارقة، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته. وللمفسرين في معنى الكلام قولان:
أحدهما: لكل ملة جعلنا شرعة ومنهاجا، فلأهل التوراة شريعة، ولأهل الإنجيل شريعة، ولأهل القرآن شريعة، هذا قول الأكثرين. قال قتادة: الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى، وعيسى، وأمة محمد، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء، ويحرم ما يشاء بلاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، والدين الواحد الذي لا يقبل غيره، التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل.