قوله تعالى: (من بعد مواضعه) قال الزجاج: أي: من بعد أن وضعه الله مواضعه، فأحل حلاله وحرم حرامه.
قوله تعالى: (يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه) في القائلين لهذا قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، وذلك أن رجلا وامرأة من أشرافهم زنيا، فكان حدهما الرجم، فكرهت اليهود رجمهما، فبعثوا إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] يسألونه عن قضائه في الزانيين إذا أحصنا، وقالوا: إن أفتاكم بالجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فلا تعملوا به، هذا قول الجمهور.
والثاني: أنهم المنافقون. قال قتادة: وذلك أن بني النضير كانوا لا يعطون قريظة القود إذا قتلوا منهم، وإنما يعطونهم الدية، فإذا قتلت قريظة من النضير لم يرضوا إلا بالقود تعززا عليهم، فقتل بنو النضير رجلا من قريظة عمدا، فأرادوا رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من المنافقين: إن قتيلكم قتيل عمد، ومتى ترفعوا ذلك إلى محمد خشيت عليكم القود، فإن قبلت منكم الدية فأعطوا، وإلا فكونوا منه على حذر. وفي معنى (فاحذروا) ثلاثة أقوال:
أحدها: فاحذروا أن تعملوا بقوله الشديد.
والثاني: فاحذروا أن تطلعوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به.
والثالث: فاحذروا أن تسألوه بعدها.
قوله تعالى: (ومن يرد الله فتنته) في " الفتنة " ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها بمعنى الضلالة، قاله ابن عباس ومجاهد.
والثاني: العذاب، قاله الحسن، وقتادة.
والثالث: الفضيحة، ذكره الزجاج.
قوله تعالى: (فلن تملك له من الله شيئا) أي: لا تغني عنه، ولا تقدر على استنقاذه. وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعتهم في الكفر.
قوله تعالى: (لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) قال السدي: يعني المنافقين واليهود، لم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الكفر، ووسخ الشرك بطهارة الإيمان والإسلام.
قوله تعالى: (لهم في الدنيا خزي) أما خزي المنافقين، فبهتك سترهم وإطلاع النبي على كفرهم، وخزي اليهود بفضيحتهم في إظهار كذبهم إذ كتموا الرجم، وبأخذ الجزية منهم. قال