وأفسدوا في الأرض، فخير الله رسوله بهذه الآية: إن شاء أن يقتلهم، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والثالث: أن أصحاب أبي بردة الأسلمي قطعوا الطريق على قوم جاؤوا يريدون الاسلام، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال ابن السائب: كان أبو بردة، واسمه هلال بن عويمر، وادع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن أتاه من المسلمين لم يهج، ومن مر بهلال إلى سول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يهج، فمر قوم من بني كنانة يريدون الاسلام بناس من قوم هلال، فنهدوا إليهم، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، ولم يكن هلال حاضرا، فنزلت هذه الآية.
والرابع: أنها نزلت في المشركين، رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن. واعلم أن ذكر " المحاربة " لله عز وجل في الآية مجاز. وفي معناها للعلماء قولان:
أحدهما: أنه سماهم محاربين له تشبيها بالمحاربين حقيقة، لأن المخالف محارب، وإن لم يحارب، فيكون المعنى: يخالفون الله ورسوله بالمعاصي.
والثاني: أن المراد: يحاربون أولياء الله، وأولياء رسوله. وقال سعيد بن جبير: أراد بالمحاربة لله ورسوله، الكفر بعد الاسلام. وقال مقاتل: أراد بها الشرك. فأما " الفساد " فهو القتل والجراح وأخذ الأموال، وإخافة السبيل.
قوله تعالى: (أن يقتلوا أو يصلبوا) اختلف العلماء هل هذه العقوبة على الترتيب، أم على التخيير؟ فمذهب أحمد رضي الله عنه أنها على الترتيب، وإنهم إذا قتلوا، وأخذوا المال، أو قتلوا ولم يأخذوا، قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال، ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن لم يأخذوا المال، نفوا. قال ابن الأنباري: فعلى هذا تكون " أو " مبعضة فالمعنى: بعضهم يفعل به كذا، وبعضهم كذا، ومثله قوله [تعالى]: (كونوا هودا أو نصارى) المعنى: قال بعضهم هذا، وقال بعضهم هذا. وهذا القول اختيار أكثر اللغويين. وقال الشافعي: إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف. وقال مالك: الإمام مخير في إقامة أي الحدود شاء، سواء قتلوا أو لم