القاضي أبو يعلى: وظاهر الآية يقتضي جواز التيمم مع حصول المرض الذي يستضر معه باستعمال الماء، سواء كان يخاف التلف، أو لا يخاف، وكذلك السفر يجوز فيه التيمم عند عدم الماء، سواء كان قصيرا، أو طويلا، وعدم الماء ليس بشرط في جواز التيمم للمريض، وإنما الشرط: حصول الضرر، وأما السفر، فعدم الماء شرط في إباحة التيمم، وليس السفر بشرط، وإنما ذكر السفر، لأن الماء يعدم فيه غالبا.
قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) " أو " بمعنى الواو، لأنها لو لم تكن كذلك، لكان وجوب الطهارة على المريض والمسافر غير متعلق بالحدث. والغائط: المكان المطمئن من الأرض، فكني عن الحدث بمكانه، قاله ابن قتيبة. وكذلك قالوا للمزادة: راوية، وإنما الراوية للبعير الذي يسقى عليه، وقالوا للنساء: ظعائن، وإنما الظعائن: الهوادج، وكن يكن فيها، وسموا الحدث عذرة، لأنهم كانوا يلقون الحدث بأفنية الدور.
قوله تعالى: (أو لامستم النساء) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: أو لامستم بألف هاهنا، وفي (المائدة) وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف في اختياره، والمفضل عن عاصم، والوليد بن عتبة، عن ابن عامر (أو لمستم) بغير ألف هاهنا، وفي (المائدة) وفي المراد بالملامسة قولان:
أحدهما: أنها الجماع، قاله علي، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: أنها الملامسة باليد، قاله ابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، وعبيدة، وعطاء، وابن سيرين، والنخعي، والنهدي والحكم، وحماد.
قال أبو علي: اللمس يكون باليد، وقد اتسع فيه، فأوقع على غيره، فمن ذلك (وأنا لمسنا السماء) أي: عالجنا غيب السماء، ومنا من يسترقه فيلقيه إلى الكهنة، ويخبرهم به. فلما كان اللمس يقع على غير المباشرة باليد، قال: (فلمسوه بأيديهم) فخص اليد، لئلا يلتبس بالوجه الآخر، كما قال: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) لأن الابن قد يتبنى وليس من الصلب.