إلا أن الاتفاق على أن سورة البقرة مدنية أولا.
وأن في رواية عن ابن عباس: أن سبب النزول قول اليهود: " إن هذا الذي يأتيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يشبه الوحي وإنا لفي شك منه "، فنزلت الآية (1)، فتكون على هذا مدنية ثانيا، وفي رواية عن ابن عباس: أن سورة يونس مدنية (2).
وهذا يؤيد بأن التحدي في السورة الأولى - وهي الإسراء - كان بالقرآن، ثم تنزل الأمر فتحدى بما في سورة هود، وهي مكية، وكان ذلك بعشر سور مفتريات، وفي المرحلة الثالثة بما في سورة الطور، وكان ذلك قوله: * (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) * (3)، وفي المرحلة الأخيرة بما في سورة يونس والبقرة، فإن الطبع يقتضي ذلك، حتى يعلم الناس أن أرباب الفصاحة وأصحاب البلاغة وامناء الأدب والمتوغلين في كلام العرب، لا يتمكنون مطلقا، ويعجزون بالمرة عن التشبه به (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الأمر، فلا يأتون بمثل هذا القرآن، ولا بعشر سور، ولا بحديث مثله، ولا بسورة أقلها ثلاث آيات ثالثا.
وبالجملة: هذه الأمور الثلاثة تعاضد كون الآية مدنية، ومجرد اقتضاء الذوق والتأريخ، لا يكفي لمخالفة المسائل الأولية المشهورة التأريخية، بعد إمكان مساعدة المحيط والقطر لنزول مثلها، ومناسبة إعادة