أو أن هؤلاء المصابين بتلك الكوارث الجوية، وإن نجوا من الموت والهلاك، لأجل ما صنعوا بجعل الأصابع في الآذان، إلا أن الموت من ورائهم:
كذلك اليهود المنافقون، فإنهم وإن يخوضوا لحقن دمائهم عن الموت والهلاك، إلا أن الموت والفظاعة من ورائهم.
أو غير ذلك من الوجوه التخيلية لتوجيه التشبيه المركب (1).
والذي يظهر لي - كما أشرنا إليه -: أن وجه التشبيه يتبين من النظر إلى حال المنافق وما يصنعه، وما هو مقصوده من النفاق، والإظهار المشفوع بالإبطان، فإذا نظرنا إلى ما تصدى المنافقون في المدينة، من إظهار الإسلام وإبراز انسلاكهم في زمرة المسلمين، وكانت حالهم بحسب الظاهر حال المسلم الواقعي والمؤمن الحقيقي، وكانوا في تلك الحالة المخادعة مشغولين بالأمور الإفسادية، وبالتحريك على الإسلام والمسلمين، بإيجاد الفتنة المنتهية إلى هضم أساس التوحيد، وهدم بنيان الدين والتشريع والتفريد، وكانوا في عين ذلك محافظين على أنفسهم من الضربات المهلكة، التي يمكن أن تتوجه إليهم من قبل رئيس الإسلام والمسلمين، وكانوا يتشبثون للحفاظ على أنفسهم بكل ما يتمكنون منه، وإن كان ذلك موجبا لفظاعتهم وفضيحتهم واتضاح مرامهم وظهور مقاصدهم، لأن ذلك هو المنظور الأقصى.
فإذا اطلعت على هذه الخصائص والأحوال منهم، يتبين وجه التشبيه المفرق والمركب على أحسن الوجه.