غير صحيح، فإنه إذا قلنا: * (جعل الظلمات والنور) * (1)، ولم يذكر وصف عقيبه - كما في المثال المزبور - فهو يفيد تبديل حال العدم إلى حال الوجود بالملازمة، لا بالوضع والدلالة الوضعية، وإذا ذكر عقيبه وصف، نحو * (وجعلنا نومكم سباتا * وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا) * (2) فهو أيضا يفيد تبديل حال إلى حال، إلا أنه من قبيل تبديل حال وجودي إلى وجودي آخر، أي جعل الليل في حال لم يكن لباسا في حال صار لباسا، وهكذا، ولذلك نجد أن مادة " جعل " في مرادفاته من سائر اللغات، يستعمل مطلقا بمعنى وضع.
ثم إن اختلاف تعديته بالحروف ناشئ من اختلاف المعاني الملقاة، مثلا في هذه الآية تعدت بكلمة " في "، لأن بين الأصابع والاذن معنى الظرفية والاحتواء، وفي قوله تعالى: * (جعل لكم الأرض فراشا) * (3) تعدت باللام، لأن النظر إلى إفادة الفائدة والغرض، فيدخله لام الغاية... وهكذا.
ثم إن هذه المادة قد بلغت موارد استعمالها إلى قريب من أربعمائة مورد من كتاب الله تعالى، وفي جميع هذه المواقف بمعنى واحد. وقولهم:
جعل الكوفة البصرة، أي ظن، غير صحيح، فإنه أيضا بمعنى الوضع، فإن من اشتبه عليه الأمر يضع الكوفة مقام البصرة في الأثر والحكم.