ونيران الحركة إلى السعادة والتوجه من منازل النفس إلى مراحل القلب والروح، وكمثل الذي استوقد نار السفر من الطبيعة السفلى إلى أحكام النفس، ومن تلك الأحكام الكثيرة إلى الحكم الوحيد العقلاني بالتهيؤ للخروج عن كافة هذه البيوت المظلمة، والدخول في النور وفي حكم أحكم الحاكمين.
* (فلما أضاءت ما حوله) * من تلك البيوت والأسباب للسفر والخروج من الشقاوة البدوية التخيلية إلى السعادة الدائمة الواقعية * (ذهب الله بنورهم) * وباستعدادهم الذاتي وإمكانهم الاستعدادي وسراجهم المنير الإنساني * (وتركهم) * الله تعالى * (في ظلمات) * كثيرة غير معروفة وغير معلومة، * (لا يبصرون) * فيها ولا يشخصون، ولا يتمكنون من الاهتداء بعد ذلك بالضرورة، فإن من أضله الله فلا هادي له.
وقريب منه: * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * وقصتهم ونفاقهم الاختياري وبسوء السريرة، كقصة المستوقد نارا بالاختيار والإرادة، * (فلما أضاءت) * النار * (ما حوله) * حسب الطبع والعادة وحسب الجبلة والطبيعة * (ذهب الله بنورهم) * باختيارهم وإرادتهم، وكأنهم ذهبوا أولا بنور أنفسهم باختيار الإلحاد والكفر والنفاق، * (وتركهم في ظلمات) * بإيقاعهم أنفسهم في الظلمات حسب شعورهم وطبق إرادتهم، فيكون كل منافق من هذه الجهة مظهر اسم من الأسماء الإلهية، فإن نسبة الإذهاب إليه تعالى، وهكذا نسبة الترك، تصح باعتبار قيامهم بسوء اختيارهم بالمبادئ والأسباب المنتهية إلى ذهاب الله بنورهم، وإلى تركهم في ظلمات * (لا يبصرون) * قهرا وجبرا، وبالاختيار وسوء الإرادة، كما لا يخفى على أهله.