وهو جبل بالمدينة كما سنوضحه واتفقت روايات البخاري كلها على ابهام الثاني ووقع عند مسلم إلى ثور فقيل إن البخاري أبهمه عمدا لما وقع عنده أنه وهم وقال صاحب المشارق والمطالع أكثر رواة البخاري ذكروا عيرا وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا والأصل في هذا التوقف قول مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور وأثبت غيره عيرا ووافقه على انكار ثور قال أبو عبيد قوله ما بين عير إلى ثور هذه رواية أهل العراق وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور وانما ثور بمكة ونرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد (قلت) وقد وقع ذلك في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبراني وقال عياض لا معنى لانكار عير بالمدينة فإنه معروف وقد جاء ذكره في اشعارهم وأنشد أبو عبيد البكري في ذلك عدة شواهد منها قول الأحوص المدني الشاعر المشهور - فقلت لعمرو تلك يا عمرو ناره * تشب قفا عير فهل أنت ناظر - وقال ابن السيد في المثلث عير اسم جبل بقرب المدينة معروف وروى الزبير في أخبار المدينة عن عيسى بن موسى قال قال سعيد بن عمرو لبشر بن السائب أتدرى لم سكنا العقبة قال لا قال لأنا قتلنا منكم قتيلا في الجاهلية فأخرجنا إليها فقال وددت لو أنكم قتلتم منا آخر وسكنتم وراء عير يعنى جبلا كذا في نفس الخبر وقد سلك العلماء في انكار مصعب الزبيري لعير وثور مسالك منها ما تقدم ومنها قول ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا انهما يعينهما في المدينة أو سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا وحكى ابن الأثير كلام أبى عبيد مختصرا ثم قال وقيل إن عيرا جبل بمكة فيكون المراد أحرم من المدينة مقدار ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف وقال النووي يحتمل أن يكون ثور كان اسم جبل هناك اما أحد واما غيره وقال المحب الطبري في الاحكام بعد حكاية كلام أبى عبيد ومن تبعه قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري ان حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك قال فعلمنا ان ذكر ثور في الحديث صحيح وان عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه قال وهذه فائدة جليلة انتهى وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في شرحه حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري انه خرج رسولا إلى العراق فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل وكان يذكر له الأماكن والجبال قال فلما وصلنا إلى أحد إذا بقربه جبل صغير فسألته عنه فقال هذا يسمى ثورا قال فعلمت صحة الرواية (قلت) وكان هذا كان مبدأ سؤاله عن ذلك وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لاخبار المدينة ان خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا قال وقد تحققته بالمشاهدة وأما قول ابن التين ان البخاري أبهم اسم الجبل عمدا لأنه غلط فهو غلط منه بل ابهامه من بعض رواته فقد أخرجه في الجزية فسماه والله أعلم ومما يدل على أن المراد بقوله في حديث انس من كذا إلى كذا جبلان ما وقع عند مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن انس مرفوعا اللهم إني أحرم ما بين جبليها لكن عند المصنف في
(٧٠)