الحظر لعموم نهى المحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للندب ويؤيد ذلك رواية الليث عن نافع بلفظ أذن أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة عنه لكن لم يسق مسلم لفظه وفى حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره خمس قتلهن حلال للمحرم (قوله الغراب) زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره ثم وجدت ابن خزيمة قد صرح باختياره وهو قضية حمل المطلق على المقيد وأجاب ابن بطال بان هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد وهو مدلس وقد شذ بذلك وقال ابن عبد البر لا تثبت هذه الزيادة وقال ابن قدامة الروايات المطلقة أصح وفى جميع هذا التعليل نظر أما دعوى التدليس فمردودة بان شعبة لا يروى عن شيوخه المدلسين الا ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل عن شعبة بسماع قتادة وأما نفى الثبوت فمردود باخراج مسلم وأما الترجيح فليس من شرط قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا نعم قال ابن قدامة يلتحق بالأبقع ما شاركه في الايذاء وتحريم الاكل وقد اتفق العلماء على اخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ وأفتوا بجواز أكله فبقى ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع ومنها الغداف على الصحيح في الروضة بخلاف تصحيح الرافعي وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين والمعروف عند أهل اللغة انه الأبقع قيل سمى غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض فلقى جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا آذن بشر وإذا نعب ثلاثا قالوا آذن بخير فأبطل الاسلام ذلك وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال اللهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك ولا اله غيرك وقال صاحب الهداية المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف وأما غراب الزرع فلا وكذا استثناه ابن قدامة وما أظن فيه خلافا وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود ان صح حيث قال فيه ويرمى الغراب ولا يقتله وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن علي ومجاهد قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الاحرام الا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب فقال إن أدماه فعليه الجزاء وقال الخطابي لم يتابع أحد عطاء على هذا انتهى ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيد جواز قتلهما بأن يبتدئا بالأذى وهل يختص ذلك بكبارها والمشهور عنهم كما قال ابن شاس لا فرق وفاقا للجمهور ومن أنواع الغربان الأعصم وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة وله ذكر في قصة حفر عبد المطلب لزمزم وحكمه حكم الأبقع ومنها العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب قيل سمى بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم وبهذا يظهر أنه نوع من الغربان والعرب تتشاءم به أيضا ووقع في فتاوى قاضيخان الحنفي من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر وحكمه حكم الأبقع على الصحيح وقيل حكم غراب الزرع وقال أحمد ان أكل الجيف والا فلا بأس به (قوله والحدا) بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد وحكى صاحب المحكم المد فيه ندورا ووقع في رواية الكشميهني في حديث عائشة الحدأة بزيادة هاء بلفظ الواحدة وليست للتأنيث بل هي كالهاء في التمرة وحكى الأزهري
(٣٢)