تقدم بيانه (قوله سمعته أذناي الخ) فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه فقوله سمعته أي حملته عنه بغير واسطة وذكر الاذنين للتأكيد وقوله ووعاه قلبي تحقيق لفهمه وتثبته وقوله وأبصرته عيناي زيادة في تحقيق ذلك وان سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط بل مع المشاهدة وقوله حين تكلم به أي بالقول المذكور ويؤخذ من قوله ووعاه قلبي ان العقل محله القلب (قوله أنه حمد الله) هو بيان لقوله تكلم ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الاحكام والخطبة في الأمور المهمة وقد تقدم من رواية ابن إسحاق أنه قال فيها أما بعد (قوله إن الله حرم مكة) أي حكم بتحريمها وقضاه وظاهره ان حكم الله تعالى في مكة ان لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى ومن دخله كان آمنا وقوله أو لم يروا انا جعلنا حرما آمنا وسيأتى بعد باب في حديث ابن عباس بلفظ هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي في الجهاد وغيره من حديث أنس ان إبراهيم حرم مكة لان المعنى ان إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة أو المعنى ان إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وكانت قبل ذلك عند الله حراما أو أول من أظهره بعد الطوفان وقال القرطبي معناه ان الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لاحد ولا لأحد فيه مدخل قال ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ولم يحرمها الناس والمراد بقوله ولم يحرمها الناس ان تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه أو المراد انها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك وليس من محرمات الناس يعنى في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم فلا يسوغ الاجتهاد في تركه وقيل معناه ان حرمتها مستمرة من أول الخلق وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فلا يحل الخ) فيه تنبيه على الامتثال لان من آمن بالله لزمته طاعته ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه خوف الحساب عليه وقد تعلق به من قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع خالف والصحيح عند الأكثر خلافه وجوابهم بان المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفى ذلك عن غيره وقال ابن دقيق العيد الذي أراه انه من خطاب التهييج نحو قوله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين فالمعنى ان استحلال هذا المنهى عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه فهذا هو المقتضى لذكر هذا الوصف ولو قيل لا يحل لاحد مطلقا لم يحصل منه هذا الغرض وان أفاد التحريم (قوله إن يسفك بها دما) تقدم ضبطه في العلم واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة وسيأتى البحث فيه بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس (قوله ولا يعضد بها شجرة) أي لا يقطع قال ابن الجوزي أصحاب الحديث يقولون يعضد بضم الضاد وقال لنا ابن الخشاب هو بكسرها والمعضد بكسر أوله الآلة التي يقطع بها قال الخليل المعضد الممتهن من السيوف في قطع الشجر وقال الطبري أصله من عضد الرجل إذا أصابه بسوء في عضده ووقع في رواية لعمر بن شبة بلفظ لا يخضد بالخاء المعجمة بدل العين المهملة وهو راجع إلى معناه فان أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع قال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهى عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي فاما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور على الجواز وقال الشافعي
(٣٧)