وأجيب بأن البخاري جرى على عادته في الايماء إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وهو ما رواه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال جاء اعرابى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فأمرهم أن يأكلوا وأمسك الاعرابى فقال ما منعك أن تأكل فقال انى أصوم ثلاثة أيام من كل شهر قال إن كنت صائما فصم الغر أي البيض وهذا الحديث اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا بينه الدارقطني وفى بعض طرقه عند النسائي ان كنت صائما فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وجاء تقييدها أيضا في حديث قتادة بن ملحان ويقال ابن منهال عند أصحاب السنن بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال هي كهيئة الدهر وللنسائي من حديث جرير مرفوعا صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة الحديث واسناده صحيح وكأن البخاري أشار بالترجمة إلى أن وصية أبي هريرة بذلك لا تختص به وأماما رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر وما روى أبو داود والنسائي من حديث حفصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى فقد جمع بينهما وما قبلهما البيهقي بما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام قال فكل من رآه فعل نوعا ذكره وعائشة رأت جميع ذلك وغيره فأطلقت والذي يظهر أن الذي أمر به وحث عليه ووصى به أولى من غيره وأما هو فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل وتترجح البيض بكونها وسط الشهر ووسط الشئ أعدله ولان الكسوف غالبا يقع فيها وقد ورد الامر بمزيد العبادة إذا وقع فإذا اتفق الكسوف صادف الذي يعتاد صيام البيض صائما فيتهيأ له أن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام والصلاة والصدقة بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتأتى له استدراك صيامها ولا عند من يجوز صيام التطوع بغير نية من الليل الا ان صادف الكسوف من أول النهار ورجح بعضهم صيام الثلاثة في أول الشهر لان المرء لا يدرى ما يعرض له من الموانع وقال بعضهم يصوم من أول كل عشرة أيام يوما وله وجه في النظر ونقل ذلك عن أبي الدرداء وهو يوافق ما تقدم في رواية النسائي في حديث عبد الله بن عمرو صم من كل عشرة أيام يوما وروى الترمذي من طريق خيثمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الشهر السبت والاحد والاثنين ومن الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس وروى موقوفا وهو أشبه وكان الغرض به ان يستوعب غالب أيام الأسبوع بالصيام واختار إبراهيم النخعي ان يصومها آخر الشهر ليكون كفارة لما مضى وسيأتى ما يؤيده في الكلام على حديث عمران بن حصين في الامر بصيام سرار الشهر وقال الروياني صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب فان اتفقت أيام البيض كان أحب وفى كلام غير واحد من العلماء أيضا ان استحباب صيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (قوله حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو والاسناد كله بصريون وأبو عثمان هو النهدي وقد روى عن أبي هريرة جماعة كل منهم أبو عثمان لكن لم يقع في البخاري حديث
(١٩٧)