يفوت حقا واجبا حرم وان علم أنه يفوت حقا مندوبا أولى من الصيام كره وإن كان يقوم مقامه فلا والى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم ذكر العلة التي بها زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر وساق الحديث الذي فيه إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك ومن حجتهم حديث حمزة بن عمرو الذي مضى فان في بعض طرقه عند مسلم أنه قال يا رسول الله انى أسرد الصوم فحملوا قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو لا أفضل من ذلك أي في حقك فيلتحق به من في معناه ممن يدخل فيه على نفسه مشقة أو يفوت حقا ولذلك لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد فلو كان السرد ممتنعا لبينه له لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز قاله النووي وتعقب بأن سؤال حمزة انما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر فقد قال أسامة بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر أخرجه أحمد ومن المعلوم ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم الدهر فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر وأجابوا عن حديث أبي موسى المقدم ذكره بأن معناه ضيقت عليه فلا يدخلها فعلى هذا تكون على بمعنى عن أي ضيقت عنه وهذا التأويل حكاه الأثرم عن مسدد وحكى رده عن أحمد وقال ابن خزيمة سألت المزنى عن هذا الحديث فقال يشبه أن يكون معناه ضيقت عنه فلا يدخلها ولا يشبه أن يكون على ظاهره لان من ازداد لله وأشار وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلته كرامة ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالي فقالوا له مناسبة من جهة ان الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة وتعقب بأنه ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة والأولى اجراء الحديث على ظاهره وحمله على من فوت حقا واجبا بذلك فإنه يتوجه إليه الوعيد ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المزنى ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث الباب كما تقدم في الطريقين الماضيين فان الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر وقوله فيما رواه مسلم من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر قالوا فدل ذلك على أن صوم الدهر أفضل مما العطار به وانه أمر مطلوب وتعقب بأن التشبيه في الامر المقدر لا يقتضى جوازه فضلا عن استحبابه وانما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما ومن المعلوم ان المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجيزون لصوم الدهر بالشرط المتقدم هل هو أفضل أو صيام يوم وافطار يوم أفضل فصرح جماعة من العلماء بأن صوم الدهر أفضل لأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وما كان أكثر أجرا كان أكثر ثوابا وبذلك جزم الغزالي أولا وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهى عنها وان لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجرا على نفسه فإذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال فالاستكثار منه زيادة في الفضل وتعقبه ابن دقيق العيد بأن الأعمال متعارضة المصالح والمفاسد ومقدار كل منها في الحث والمنع غير متحقق فزيادة الاجر بزيادة العمل في شئ يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور ومقدار الفائت من ذلك مع مقدار الحاصل غير متحقق فالأولى التفويض إلى حكم الشارع ولما دل عليه ظاهر قوله لا أفضل من ذلك وقوله إنه أحب الصيام
(١٩٤)