في تفسير النجم وله في تفسير البقرة من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن فذكر الحديث وفيه كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد أي مقابله وقديد بقاف مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري (قوله فكان من أهل يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة) وقوله بعد ذلك (إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة) ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة ويقتصرون على الطواف بمناة فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك ويصرح بذلك رواية سفيان المذكورة بلفظ إنما كان من أهل بمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة وفي رواية معمر عن الزهري إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة أخرجه البخاري تعليقا ووصله أحمد وغيره وفي رواية يونس عن الزهري عند مسلم إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة فطرق الزهري متفقة وقد اختلف فيه على هشام بن عروة عن أبيه فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهري ورواه أبو أسامة عنه بلفظ إنما أنزل الله هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة أخرجه مسلم وظاهره يوافق رواية الزهري وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه الفاكهي من طريق عثمان بن ساج عنه أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى أتوا مناة فأهلوا لها فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة قال وكانت مناة للأوس والخزرج والأزد من غسان ومن دان دينهم من أهل يثرب فهذا يوافق رواية الزهري وأخرج مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام هذا الحديث فخالف جميع ما تقدم ولفظه إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف ونائلة فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلون فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية فهذه الرواية تقتضي أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئا كانوا يفعلونه في الجاهلية لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع فخشوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع فهذه الرواية توجيهها ظاهر بخلاف رواية أبي أسامة فإنها تقتضي أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية ولا يلزم من تركهم فعل شئ في الجاهلية أن يتحرجوا من فعله في الإسلام ولولا الزيادة التي في طريق يونس حيث قال وكانت سنة في آبائهم الخ لكان الجمع بين الروايتين ممكنا بأن نقول وقع في رواية الزهري حذف تقديره أنهم كانوا يهلون في الجاهلية لمناة ثم يطوفون بين الصفا والمروة فكان من أهل أي بعد ذلك في الإسلام يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة لئلا يضاهي فعل الجاهلية ويمكن أيضا أن يكون في رواية أبي أسامة حذف تقديره كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فجاء الإسلام فظنوا أنه أبطل ذلك فلا يحل لهم ويبين ذلك رواية أبي معاوية المذكورة حيث قال فيها فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا
(٣٩٩)