القضاء هو البينة واليمين، أو هو بينة المدعي ويمين المنكر، لا علاقة لها بنفي شرط طلب المدعي أو إثباته، على أن هذه الروايات كلها ضعيفة سندا. وأيضا لو تمت دلالة ما ورد في أمر نبي من الأنبياء بالتحليف، فإنما ذلك بالإطلاق، ويقيد برواية محمد بن مسلم، ويكون المفاد بعد التقييد أن القاضي يحلف بعد طلب المدعي.
إلا أن الصحيح: أن دلالة رواية محمد بن مسلم - على شرط كون طلب الحلف من المدعي - أيضا قابلة للنقاش، فإن السؤال فيه عن الرجل يدعي ولا بينة له قال: " يستحلفه "، فلا يبعد أن يكون هذا بصدد تعليم المدعي كيفية تصديه لعلاج مشكلته، وهو أن يطلب حلف المنكر، أما لو لم يتصد هو للعلاج فهل يجوز للحاكم أن يستقل بالعلاج، أو لا؟ فهذا مطلب آخر.
وتحقيق الحال في المقام أن يقال: إنه تارة يفترض أن الحق المتنازع عليه يكون تحت سلطة المنكر، وأخرى يفترض أنه تحت سلطة المدعي.
فإن كان تحت سلطة المنكر لا يحلف المنكر إلا بطلب المدعي، فلو رضي المدعي بإيقاف النزاع - ولو موقتا - وعدم مطالبته بحقه، فلا دليل على نفوذ تحليف الحاكم للمنكر، ودليل كون وظيفة الحاكم خصم النزاع لا إطلاق له لفرض استعداد المدعي لإيقاف النزاع ولو موقتا.
وإن كان تحت سلطة المدعي - كما لو كانت العين بيده معترفا بأنه أخذها من صاحبه قهرا عليه، لعلمه بأنها له - فهنا لا يحلف المنكر إلا بطلب المنكر، بمعنى أنه لو رضي المنكر برفع اليد عن المطالبة بحقه ولو موقتا، فلا دليل على نفوذ تحليف الحاكم إياه ولو بطلب من المدعي، لأن دليل كون وظيفة الحاكم خصم النزاع لا إطلاق له لفرض استعداد صاحب النزاع لرفع اليد عن النزاع ولو موقتا، وهنا صاحب النزاع هو المنكر، أي أنه المحروم عن الحق المتنازع فيه، ولو طلب المنكر الحلف حلفه الحاكم ولو رغما على المدعي، لأن وظيفة الحاكم خصم النزاع.