إذن فحلف المنكر كأنما لم يكن بطريق القضاء، لأن القضاء لم يكن شرعيا، فكأنه تحليف من قبل المدعي مباشرة للمنكر، ومع ذلك حكم الإمام (عليه السلام) بسقوط حق المدعي، فهذا يعني أن مجرد تحليف المدعي للمنكر يسقط حقه ولو لم يكن عن طريق القضاء. نعم مجرد تبرع المنكر بالحلف من تلقاء نفسه لا قيمة له. ولكن قد مضى فيما سبق ضعف سند الرواية.
وقد يقال: إن تحليف المدعي للمنكر - ولو عن غير طريق القضاء - يسقط حق المدعي بمقتضى القاعدة بلا حاجة إلى نص خاص، لأن معنى تحليفه تعهده بالاكتفاء بالحلف عن إدامة المرافعة والنزاع، ويجب الوفاء بالعهد.
وفيه: أنه لو رجع هذا إلى التعهد، فهذا تعهد في طول ظلم الظالم إياه حسب ما يعتقد، ودفع لظلمه، وهذا النحو من التعهد لا قيمه له لا عقلائيا ولا شرعا.
وقد تحصل بهذا العرض أن أقوى الوجوه هو الاحتمال الثاني.
والتحليف - حتى لو اشترطنا فيه أن يكون بمطالبة المدعي - يجب أن يكون من قبل الحاكم، فلو حلفه المدعي أمام الحاكم فلا قيمة لهذا الحلف، فإن الثابت بالنص إنما هو تحليف الحاكم، كما ورد في حديث سليمان بن خالد: " وأضفهم إلى اسمي، وحلفهم به "، أما التحليف عن طريق المدعي مباشرة أمام الحاكم فلا دليل على نفوذه.
والتحليف من قبل الحاكم في مورد لم نشترط في مشروعيته طلب المدعي أو رضاه يكفي في سقوط حق المدعي وإن لم يكن بطلب المدعي أو رضاه، وذلك لأن روايات إسقاط الحلف لحق المدعي وإن كانت كلها بلسان استحلاف المدعي ولكن بعد ما عرفت من أنها ليست بنكتة التعهد من قبل المدعي عقلائيا يكون المفهوم منها عرفا الإشارة إلى الحلف المشروع في باب القضاء الذي يكفي لحكم الحاكم، فلو كان ذلك أوسع من الحلف الذي يكون بطلب من المدعي فسقوط حق المدعي أيضا