اكتفائهم بهذا المقدار من الوحدة في الوحدة المأخوذة عندهم في مفهوم البينة - هو الفرق الموجود بحساب الاحتمالات بين شهادة شاهدين على شئ واحد، وهو سرقة الدينار مثلا، وشهادة كل منهما على شئ غير ما شهد الآخر به رغم وجود جامع بينهما، كشهادة أحدهما على سرقة الدينار، وشهادة الأخر على سرقة الدارهم، فالأول أقوى من الثاني لما نقحه أستاذنا الشهيد (رحمه الله) في بحث حساب الاحتمال من أنه كلما اشتد التماثل بين الشهادات، قوي المضعف الكيفي الذي يبعد احتمال الكذب والخطأ. وهذا الحساب بشكله الدقيق وإن لم يكن موجودا في أذهان الناس الاعتياديين، لكن النتيجة على الإجمال واضحة عندهم بالفطرة.
ولا يبعد أن تستثنى عرفا من الفرض الثالث والرابع حالتان:
الأولى - ما إذا كانت مساحة الخلاف بينهما بالقياس إلى مساحة الوفاق بمقدار بحيث يطمأن عرفا بأنهما - على تقدير كونهما صادقين - ينظران إلى واقعة واحدة، وإن وقع الاشتباه من أحدهما في الخصوصية، فعندئذ يكون المقدار الثابت من الوحدة كافيا في صدق ثبوت البينة عرفا على المقدار الجامع، وكان الارتكاز العقلائي ثابتا في المقام، والدليل غير منصرف عنه، فمثلا: لو استنطق الشاهدان في تمام الخصوصيات فاتفقا عليها ما عدا وجود فارق في تعيين الحادثة بمقدار ربع ساعة مثلا، فهذا الفارق وإن كان بالدقة محصصا وقد يوجب التكاذب، ولكنه قد يكون عرفا غير مضر بالبينة، فقد يقال عرفا: إن البينة قد تمت على الحادثة الفلانية وإن اختلفا اشتباها في وقت الحادثة، لعدم ضبط أحدهما الوقت بالدقة الكاملة.
والثانية - ما لو شهد أحدهما بأن مصب شهادته هو عين مصب شهادة الآخر وأن صاحبه قد أخطأ في الخصوصية، فهذا المقدار كاف في انصباب الشهادتين على مصب واحد هو الجامع وتمامية الارتكاز في المقام، وذلك كما لو شهدا بالبيع، واختلفا في أنه كان في الليل أو في النهار، وشهد أحدهما بأن البيع الذي يشهد به هو عين البيع