لعله يرد حتى بالنسبة لمن صرح بذلك، باعتبار أن طلب المدعي من الشهود لأداء الشهادة يكون عادة عن طريق الحاكم، أي أن الحاكم يطلب من الشهود بناء على رغبة المدعي أداء الشهادة، فأخذ عنوان طلب الحاكم استطراقا إلى ثبوت طلب المدعي. وعلى أي حال لو بنينا على هذا الاحتمال، ارتفع الاستغراب، فإن الوجه في التفصيل بين حق الفرد وحق الله أو الحقوق العامة أحد أمرين:
إما التمسك بمسألة التهمة، حيث يقال: إن عدم انتظار طلب المدعي موجب للتهمة، وهذا إنما يفرض في حق الفرد لا في حق من لا يوجد بشأنه مدع خاص من حقوق الله أو الحقوق العامة مما تثار بمبادرة الناس لا بمبادرة المدعي.
وأما أن يقال: بأن عدم نفوذ شهادة المتبرع قبل طلب المدعي في الحقوق الفردية يكون بنكتة أن البينة حق للمدعي، وليس للحاكم فرض الحكم وفق البينة من دون إذن ذي الحق ما دام الحق ليس من حقوق الله أو الحقوق العامة التي يكون لولي الأمر حق التدخل فيها ابتداء، ومن هنا يصبح التفصيل بين حقوق الناس الفردية وحقوق الله أو الحقوق العامة أيضا أمرا معقولا، حيث لا يوجد في الثاني مدع يكون له الحق في طلب الحق بالبينة ورفضه بخلاف الأول.
وبه يتضح الحال أيضا في الحقوق المشتركة بين الله - تعالى - والآدمي، فإن كان اشتراك الحق بمعنى أن قسما منه لله وقسما منه للآدمي - كما قد يقال في السرقة من أن القطع لله والضمان للآدمي - فما للآدمي يتوقف على إذن المدعي، لأنه حقه، وما لله تنفذ فيه الشهادة التبرعية. وإن كان اشتراك الحق بمعنى أن شيئا واحدا هو حق لله وللآدمي كما لو قلنا: إن القطع في السرقة والحد في القذف كل منهما حق لله وللآدمي، فالشهادة التبرعية تنفذ فيه، لأن عدم إذن المدعي إنما يسقط حقه في الحكم ولا يسقط حق الله.
هذا فيما إذا كان المدرك لعدم نفوذ شهادة المتبرع عبارة عن أن الحاكم