الأول - النظر إلى مدى دلالة الشهادتين، ودعوى أن الشهادة بالعدالة لا تدل على أكثر من حسن الظاهر، لأنه أمارة على العدالة، بينما الشهادة على الفسق تدل على الفسق الواقعي، ولا تنافي بين الشهادتين، فيؤخذ بهما معا، وبالتالي يثبت الفسق. فهذا هو المقصود بتقديم بينة الجرح لا التقديم بمعنى تسليم التعارض وترجيح بينة الجرح، وليس الكلام في واقع ما في نفس البينتين كي يقال: لعل البينة المزكية اطلعت على ما لم تطلع عليه البينة الجارحة، وإنما الكلام في مقدار دلالة الشهادتين، فالشهادة على العدالة لا تدل على أكثر من الشهادة على حسن الظاهر، لأنه أمارة العدالة، بينما الشهادة على الفسق تدل على واقع الفسق.
ويرد عليه: أن الشهادة على العدالة ليست دائما شهادة على حسن الظاهر، بل ظاهر الشهادة على العدالة لو لم يأت بقرينة على إرادة حسن الظاهر، هو الشهادة على واقع العدالة، فتتعارض الشهادتان.
الثاني - أن يقال: إن بينة التزكية تسقط كاشفيتها عرفا أمام بينة الجرح دون العكس، وذلك بنكتة أن الفسق كثيرا ما يكتم إلى أن يتخيل المتخيل أن هذا الرجل عادل، فمن اطلع على الفسق يكون اطلاعه على ذلك رافعا لكاشفية شهادة البينة المزكية، حتى أن البينة المزكية لو سمعت شهادة الجارح لعلها ترفع يديها عن شهادتها بالعدالة.
وقد يورد على ذلك: بأن المقياس في حجية البينة هو الظن النوعي لا الشخصي، والظن النوعي لا يمكن أن يزول.
ويمكن الجواب على ذلك: أن حجية البينة إن كان منشؤها السيرة العقلائية فهي محكومة للنكات والارتكازات العقلائية، وإن كان منشؤها بعض النصوص فهي تنصرف أيضا إلى النكات الارتكازية عند العقلاء، وحينما توجد قرينة نوعية على الخلاف تدركها عامة الناس وتعترف بأنها تغطي على كاشفية البينة، تسقط