وأما تقديم بينة الجرح فيمكن الاستدلال عليه بوجهين:
الأول - ما ورد عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان، وشهد له ألف بالبراءة، يجيز شهادة الرجلين ويبطل شهادة الألف، لأنه دين مكتوم (1).
فيقال: إن مقتضى عموم التعليل بالمكتومية التعدي من الزندقة إلى الفسق، فإن الفسق كثيرا ما يكتم، ويوجب كتمانه تخيل العدالة.
ولكن لا يخفى أن التعليل كان بأنه دين مكتوم، واحتمال الفرق بين الدين والفسق موجود. بأن يفترض أن الشريعة تتسامح في جانب الفسق بما لا تتسامح في جانب الدين.
على أن الحديث ساقط سندا.
الثاني - ما قد يقال من أن بينه العدالة قد تعتمد على حسن الظاهر الذي هو أمارة العدالة، وبينة الجرح تشهد بما خفي على بينة العدالة.
وقد يورد عليه بأن من المحتمل العكس أيضا، بأن تكون بينة العدالة قد اعتمدت على أمر إضافي لم تطلع عليه بينة الجرح كما لو كانت بينة الجرح مطلعة على الفسق، وبينة العدالة مطلعة على توبته من ذلك الفسق، واسترجاع الملكة لو كانت زائلة، أو كانت بينة الجرح مطلعة على شئ يكون معصية بالعنوان الأولي، وبينة العدالة مطلعة على عذر يزكيه، والذي يجعل ذاك العمل حلالا له، ونحو ذلك من الأمثلة.
والواقع أن الذي ينبغي أن يكون مقصودا لمن يرجح بينة الجرح على بينة التزكية هو أحد أمرين: