القضاء وعدم جواز نقضه:
أحدهما - الارتكاز المتشرعي، وكذلك العقلائي الممضى بعدم الردع الدال على أن القضاء جعل لفصل الخصومة وإنهائها، وهذا يدل على عدم جواز نقض الحكم من قبل المحكوم عليه القاطع بالخلاف، ومن قبل القاضي الثاني الشاك في صحة القضاء إذا كان الحكم وفق مقاييس القضاء من دون فرق بين أن يكون ذاك المقياس عبارة عن البينة أو اليمين، أو يكون عبارة عن علم القاضي.
وثانيهما - قوله في مقبولة عمر بن حنظلة: " إذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله " (1) فمن الواضح جدا أن هذا الخطاب لا أقل من أنه يريد تحريم نقض الحكم على الخصمين حتى المدعي منها للقطع بخطأ الحكم أو احتماله، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بأن يكون المراد في خصوص هذا الحديث من كلمة: (حكمنا) هو الحكم وفق مقاييس القضاء لا الحكم في الواقع، وإلا فلا يمكن إسكات الخصم بذلك، إذ هو يدعي القطع بانتفاء الموضوع أو احتماله، إذن فهدا الحديث يحرم بإطلاقه على القاضي الثاني نقض قضاء قاض يحكم وفق مقاييس القضاء من دون فرق بين البينة واليمين، أو العلم الثابت مقايسته بغير هذا الحديث مما مضت الإشارة إليه من الروايات والآيات.
الدليل الرابع - ما جاء في الجواهر أيضا من أنه لو لم نقل بجواز القضاء وفق العلم لزم فسق الحاكم، أو إيقاف الحكم، وهما معا باطلان، وذلك لأنه إذا طلق زوجته ثلاثا مثلا بحضرته ثم جحد كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه وهو استحلافه وتسليمها إليه لزم فسقه، وإلا لزم إيقاف الحكم.