لا يكون مد ولا ترجيع ولعل القيدين في كلماتهم لأجل كون المتعارف من الغناء في أعصارهم هو ما يكون مشتملا عليهما، فظن أنه متقوم بهما، كما أن المطربية الفعلية غير معتبرة فيه بما مر وأن الصوت ما لم يكن فيه رخامة وصفاء ليس بغناء.
ثم إن ما ذكرناه في المقام هو تحصيل ماهية الغناء من غير نظر إلى ما كان موضوعا للحكم الشرعي، ولعل موضوعه أعم أو أخص وسيأتي الكلام فيه، فتحصل من ذلك أن الغناء ليس مساوقا للصوت اللهوي والباطل، ولا لألحان أهل الفسوق والكبائر، بل كثير من الألحان اللهوية وأهل الفسوق والباطل خارج عن حده، ولا يكون في العرف والعادة غناء، ولكل طائفة من أهل اللهو والفسوق والتغني شغل خاص في عصرنا، ومحال خاصة معدة له، ولشغله وصنعته اسم خاص يعرفه أهل تلك الفنون ثم إن مقتضى كلمات كل من تصدى لتحديد الغناء أنه من كيفية الصوت أو الصوت نفسه، وليست مادة الكلام دخيلة فيه، ولا فرق في حصوله بين أن يكون الكلام باطلا أو حقا وحكمة أو قرآنا أو رثاء لمظلوم، وهو واضح لا ينبغي التأمل فيه، وأما حكمه فقد وردت روايات مستفيضة أو متواترة على حرمته وهي على طوائف:
منها ما وردت في تفسير قوله تعالى واجتنبوا قول الزور (1) بأنه الغناء، كصحيحة هشام (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور قال: الرجس من الأوثان الشطرنج وقول الزور الغناء، وقد فسر به في رواية زيد الشحام (3) وأبي بصير (4) وعبد الأعلى (5) وغيرهم، والظاهر المتفاهم من عنوان قول الزور هو القول الباطل باعتبار مدلوله كالكذب وشهادة الباطل والافتراء، والغناء كما عرفت من كيفية الصوت، أو الصوت، بكيفية، وهو عنوان مغاير لعنوان الكلام والقول، وفسرت الآية بقول القائل للمغني أحسنت في صحيحة حماد بن عثمان (6) عن أبي عبد الله عليه السلام، مع أن قول أحسنت