محرم أيضا كالغناء الحسن لعموم الأدلة، إلا أن يدعى انصرافها إلى ما أوجب الطرف الفعلي ولقد أحسن الشيخ قدس سره في قوله: ما كان مناسبا لبعض آلات اللهو والرقص وكأنه تحاول ما ذكرناه، فإن النسب الموسيقية تنطبق على النسب الايقاعية و لذلك يطابق أهل اللهو بينهما، وقد اعترض أستاد الصناعة على الرشيد بأن مغنيك يغني بالثقيل وعوادك يضرب بالخفيف، فالصوت الخالي عن النسبة لا يكون غناء وإن أوجب الطرب وقصد به اللهو، كما أن مجرد تحريك الأوتار لا يقال له ضرب ولا يكون محرما، وكذلك مجرد تحريك الأعضاء لا يكون رقصا ما لم يكن على النسب المعينة (انتهى ملخصا).
وإنما نقلناه بتفصيل أداء لبعض حقوقه ولاشتماله على تحقيق وفوائد، والانصاف أن ما ذكره وحققه أحسن ما قيل في الباب وأقرب بإصابة الواقع وإن كان في بعض ما أفاده مجال المناقشة، كانتهائه حد الاطراب بما يكاد أن يزيل بالعقل، وأن العلة في الغناء عين العلة في المسكر، وذلك لعدم الشاهد عليه في العرف واللغة، لصدق الغناء على ما لم يبلغ الأطراف ذلك الحد ولم يكن من شأنه ذلك أيضا، فإن للغناء أقساما كثيرة ومراتب كثيرة غاية الكثرة في الحسن والاطراب، فربما بلغ فيه غايته كما لو كان الصوت بذاته في كمال الرقة والرخامة وكان الصائت ماهرا في البحور الموسيقية وكان البحر مناسبا له كالبحر الخفيف مثلا فحينئذ لا يبعد أن يكون مزيلا للعقل ومهيجا للحليم وموجبا لصدور أعمال من الشريف الحكيم ما لا يصدر من الأنذال والأرذال، وإن كانت القضايا المحكية عن بعض أهل الكبائر كبعض خلفاء الأمويين والعباسيين لم يثبت كونها لمحض الغناء فإن مجالس تغنيهم كانت مشحونة بأنواع الملاهي والمعاصي كشرب الخمور و أنواع آلات اللهو والترقص وغيرها حتى القضية المعروفة من وليد لعنه الله مع مغنيه لم يحرز كونها للغناء محضا، وربما لا يكون بتلك المرتبة كما لعله كذلك غالبا، وكلمات اللغويين أيضا لا يساعده، لعدم تقييد مهرة الفن بحصول تلك المرتبة بل هم بين من فسره بخفة تعتري الانسان لشدة حزن أو سرور أو خفة لسرور أو حزن.