(على ما في بعض الروايات (1) فلو كان انقلابها إلى الخل ممكنا، لكان من البعيد الأمر بإهراقها. ولهذا لا يجوز إراقة العصير المغلي بنفسه أو النار، ولو أحرز كونهما خمرا، إذا أراد صاحبه أن يعمل به خلا أو دبسا.
نعم لا يمكن حمل ما دلت على جعل الخمر العتيقة خلا على ما ذكرناه (2) فلا بد من تأويل آخر فيها، لو ثبت عدم امكان جعلها خلا بالعلاج، ولو فرض امكانه لكن لا شبهة في عدم تعارفه، وعدم كونه من المنافع المطلوبة لها، ولعل الأمر بإراقتها (بعد فرض امكان التخليل) كان من الأحكام السياسية لقلع مادة الفساد، وقطع عذر الشاربين للخمر، حيث يمكن لهم الاعتذار باتخاذها للتخمير، وكيف كان فلا شبهة في أن المنفعة المتعارفة لها الشرب، والأدلة منصرفة عن غيره، والتداوي بها (لو جوزناه في بعض الموارد النادرة) ليس بحيث يدفع الانصراف أو يمنع عن الإراقة.
وبالجملة أن صاحب الرواية (في الرواية المتقدمة) إنما أهدى الخمر لرسول الله صلى الله عليه وآله لكونها من أحب الأشياء عندهم وقوله: إن الذي حرم شربها حرم ثمنها، لا يستفاد منه إلا الثمن في بيع الخمر، حسب تعارفه عندهم، وكان صاحب الراوية يريد بيعها كذلك، لا المورد النادر الذي يجب أو يجوز شربها، فلو فرض في مورد صار العصير في غليانه خمرا يمكن تخليلها فبيعت لذلك، لا تدل مثل تلك الروايات على منعه كما لا يخفى ونحوها ما دلت على أن ثمن الخمر سحت، من الروايات المستفيضة (3) فإن الظاهر منها أن التكسب بها في التجارة المتعارفة كذلك.
وإن شئت قلت: إن الأدلة منصرفة إلى ما هو المعهود الشايع، والنادر بهذه المثابة منسي عن الأذهان، سيما مع المناسبات المغروسة فيها: هذا حال ما يمكن أو يتوهم استفادة حرمة أصل المعاملة بعنوانها منها: وأما ما دلت على حرمة الثمن أو بطلان المعاملة، فمضافا إلى بعض ما مر، النبوي المتقدم: أن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه: وفيما احتمالات:
منها أن يراد به أن التحريم إذا تعلق بذات شئ، بأن يقال: حرمت عليكم