لكن لو سلم وجود شهرة جابرة للرواية أو فرضت صحتها: كان مقتضى الجمع العقلائي بينها وبين الروايات المتضافرة التي في مقام البيان: حملها على الاستحباب، بيانه يحتاج إلى مقدمة، وهي أن طهارة دخان المتنجس التي أفتى بها الفقهاء ليس لدليل تعبدي بل لقصور دليل نجاسة الدهن المتنجس مثلا عن شموله للدخان والبخار، وعدم دليل على نجاستهما، وعدم جريان استصحاب النجاسة، فمقتضى الأصل الطهارة، فلو فرض في مورد علم بعدم الاستحالة وبقاء أجزاء الدهن اللطيفة وتصاعدها مع الدخان: يحكم بكونه نجسا لفرض عدم تحقق الاستحالة الرافعة للموضوع.
نعم لو كانت الأجزاء صغيرة جدا بحيث يحتاج في دركها إلى المكبرات:
لا تكون موضوعة للنجاسة، وأما لو اجتمعت وصارت مقدارا " محسوسا " ولو قليلا و صغيرا ": تكون نجسة لعدم الاستحالة وعدم احتمال صيرورة الصغر موجبا للطهارة هذا إذا علم عدم الاستحالة ولو شك في ذلك كان الدخان محكوما بالطهارة لقصور الأدلة الاجتهادية عن اثبات نجاستها، وعدم جريان الاستصحاب، لاختلاف القضية المتيقنة مع المشكوك فيها، أو الشك في وحدتهما، لكن مع ذلك كان الاحتياط حسنا سيما إذا كانت الأدخنة كثيفة والدهن غليظا وكثيفا تصير معرضية الأجزاء الدهنية للتصاعد قوية وربما صار مظنونا ومعه يحسن الاحتياط عنها لما يشترط فيه الطهارة ثم إن التدخين تحت الضلال والسقف إذا كان مدة معتدا بها كالساعة والساعتين يوجب ذلك تراكم الأدخنة وورودها في منافذ البدن كالأذن والأنف والحلق وتراكمها فيها ربما يكون مظنة اجتماع الأجزاء اللطيفة الدهنية الغير المستحيلة ولا أقل من احتماله سيما، إذا كانت البيوت ضيقة وسقوفها منخفضة كما كانت كذلك نوعا في تلك الأعصار، وسيما مثل الأدهان التي مورد السؤال، فإذا ورد نهي عن الاستصباح بهما تحت السقف والأمر بالاستصباح تحت السماء: لا ينقدح في ذهن العقلاء منهما التعبد المحض الغير المرتبط بالنجاسة بل المفهوم منهما بمناسبة الحكم والموضوع: أن النجاسة صارت موجبة للحكم بذلك، فيفهم أهل العرف نجاسته أن