ومده، وارتفاعه، وانخفاضه، واتصاله، وانفصاله: سمي بالغناء، وقد وضع لبيان هذه النسب وأقسامها فن الموسيقى الذي هو أحد أقسام العلوم الرياضية، ويخص في تناسب الآلات باسم الايقاع، والعود بينها ميزان الغناء يعرف به صحيح الغناء من فاسده كما يعرف بالمنطق صحيح القضايا من فاسدها وعلى أوتارها الأربعة وكيفية شدها والإصبع التي يضرب بها يعرف أقسام الغناء ثم قال وإذا أنشد الشعر على طبق مقررات الفن، أوجب لسامعه إذا كان من متعارف الناس: الطرب الخارج عن المتعارف حتى يكاد أن يفعل فعل المسكر فيصدر من الشريف الحكيم ما يأنف منه الأنذال من أقوال وأفعال يشبه أقوال السكارى وأفعالهم، وفي كتب المحاضرات والتاريخ نجد حكايات إن تأملتها علمت أن ولع الغناء بالعقل لا يقصر عن الخمر بل يربو عليه.
ثم قال: تقييد الصوت بصوت الانسان لمتابعة العرف فإن أصوات البلابل وإن تناسب وأطربت لا يسمى غناء وبقيد التناسب يخرج ما أوجب الطرف بغيره من حسن الصوت اللغوي ذاتا أو لحسن صاحبه أو لحسن ألفاظه ومعانيه ونحو ذلك، وبقيد المتعارف يخرج الخارج عنه، فلا اعتبار بمن هو كالجماد كما لا اعتبار بمن يطرب بأدنى سبب كما أن الحال كذلك في حد المسكر، وبقولي: تكاد أن تذهب بالعقل يخرج الطرب الخفيف إذ لا اعتبار به كما لا اعتبار بالفرح والنشاط الحاصلين من بعض المشروبات المفرحة ما لم يبلغ مرتبة يزيل العقل عن المتعارف، وبالجملة الطرف في الغناء كالسكر في الشراب والعلة في تحريمه عين العلة فيه وهو إزالة العقل ثم تصدى لبيان عدم الاختلاف في كلمات علماء اللغة في ذلك وأن مغزى الجميع واحد وإن اختلف التعبير.
ثم قال: وفذلكة القول: إن الغناء هو الصوت المتناسب الذي من شأنه بما هو متناسب أن يوجد الطرب أعني الخفة بالحد الذي مر، فما خرج منه فليس من الغناء في شئ وإن كان الصائت رخيم الصوت حسن الأداء وأحسن كل الاحسان ووقع من سامعه أقصى مراتب الاستحسان، كما أنه من الغناء الصوت المتناسب وإن كان من أبح ردئ الصوت ولم يطرب بل أوجب عكس الطرب كما قيل (إذا غناني القرشي * دعوت الله بالطرش) فبين كل من الغناء والصوت المستحسن عموم من وجه وهو