وأما الثانية من الصور المتقدمة، أي ما لا تكون له منفعة مطلقا أو عقلائية لكن كان في المعاملة غرض عقلائي موجب لاشترائه كالمثال المتقدم (فالتحقيق) صحتها وعقلائيتها وذلك لأن مالية الشئ تابعة وجودا ومرتبة للعرضة والتقاضا، فما لا منفعة له مطقا أو تعلق باشترائه وحفظه أو اشترائه واعدامه، غرض سياسي أو غيره من الأغراض العقلائية فصار ذلك منشأ للرغبة إلى اشترائه: أوجبت تلك الرغبة و ذلك التقاضا حدوث المالية فيه، فلو تعلق غرض دولة باشتراء ما لا منفعة له من ناحية من النواحي لأغراض سياسية فأوجدت بقدرتها السوق لذلك المتاع: صار ذا قيمة لدى لعقلاء من غير لحاظ أن اشترائه بأي غرض كان، وبالجملة الشئ صار متمولا بمجرد حدوث التقاضا، ويخرج المتمول عن كونه كذلك بمعدوميته مطلقا، كما أن مراتب التمول أيضا تابعة لكثرة العرضة أو التقاضا.
فلا ينبغي الاشكال في صحة تلك المعاملات وصدق البيع والتجارة والعقد عليها، وكذا صدق مبادلة مال بمال. والحكم بالبطلان يحتاج إلى دليل هو مفقود ويمكن ادراجها ولو بإلغاء الخصوصية في صدر رواية تحف العقول، فإنها وإن تعرضت للأشياء التي فيها صلاح العباد أو وجه من وجوه صلاحهم في معاشهم وحياتهم لكن يمكن أن يقال: الاشتراء لدفع المضار أو جلب منافع مشروعة غير كامنة في نفس المتعلقات داخل فيها بإلغاء الخصوصية أو فهم العرف علة الحكم، ولو نوقش فيه فالرواية ساكتة عنه، ولا شبهة في عدم شمول ذيلها لمثل تلك المعاملة المترتب عليها دفع مضار عن العباد أو جلب منافع لهم.
فتحصل من جميع ما تقدم ضابط الصحة والفساد، وأما القول باعتبار كون المنفعة غير نادرة ولو مع كون الندرة بحيث لم تخرج بها المعاملة عن العقلائية، بدعوى اعتباره شرعا إما لقيام الاجماع عليه أو لدلالة بعض الروايات كما عن عوالي اللئالي (1) عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا ثمنها وإن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه، وعن الدعائم (2)