وهذه الطائفة قاصرة عن اثبات الحرمة لمطلق بيع الخمر، كما لو باع للتخليل لو فرض امكانه، أو باع للتداوي، إن قلنا بجوازه في مورد الاضطرار: لا لأدلة رفع ما اضطر وإليه، بل لقصور الروايات عن اثبات الحكم لغير البيع والشراء المتداولين في سوق الفساق.
فلو فرض أن العصير المغلي بنفسه صار خمرا، ثم صار خلا، فعصره عاصر للتخليل فهل يمكن أن يقال: إنه ملعون بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه عصر ما يصير خمرا ولو صار خلا بعده، وكان عصره للخل، لا أظن بأحد احتماله، وذلك لأن الظاهر المستفاد من تلك الروايات، أن الشرب المعمول به، وكل ما هو من مقدماته أو مربوط به حرام، لا لحرمة المقدمة، فإنها ليست بحرام جزما، بل لجعل الحرمة عليها سياسة لقلع الفساد.
وكيف كان لا شبهة في عدم دلالة تلك الطائفة على حرمة المعاملة، ولا الثمن ولا بطلانها في غير ما قلناه والطائفة الأخرى ما دلت على حرمة ثمنها:
كصحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا، فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه، قال: لا يصح ثمنه. ثم قال: إن رجلا من ثقيف أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله راويتين من خمر، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله فأهريقتا، وقال: إن الذي حرم شربها حرم ثمنها (الخ) وقريب منها غيرها، وهذه الطائفة أيضا قاصرة عن اثبات الحكم بنحو الاطلاق، لأن المتعارف في بيع الخمر (بحيث كان غيره نادرا جدا سيما في تلك الأزمنة) هو البيع للشرب الحرام وأما التخليل فالظاهر عدم انقلاب الخمر خلا، وما وردت في بعض الروايات من تخليلها بالعلاج (2) لعلها التي كانت في حال الغليان، واختمرت في الجملة، دون ما صارت خمرا، ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بإهراقها، واهراق جميع ما في المدينة من الخمر،