ومنها يظهر المراد في روايات مستفيضة دالة على استحباب قراءة القرآن بصوت حسن، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله (1) حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا، وفي موثقة (2) أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائى بهذا أهلك والناس فقال: يا أبا محمد اقرأ قراءة بين القرائتين تسمع أهلك ورجع بالقرآن صوتك فإن الله عز وجل يحب الصوت الحسن يرجع ترجيعا، وما حكى عن بعض الأئمة من قرائته بصوت حسن، كما عن علي بن الحسين (3) أنه أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يستمعون قرائته فإن المراد بالصوت الحسن مقابل اتخاذ القرآن مزامير والترجيع به ترجيع الغناء والتغني به كما في الروايات المتقدمة وليس المراد بالصوت فيها ما هو المصطلح لأرباب السماع والموسيقى بل المراد ما هو المتفاهم منه عرفا وما هو معناه لغة، ولهذا وصفه بالحسن ولا ملازمة بين الصوت الحسن والغناء وإن لم يتصف الصوت بالحسن إلا بتناسب بين قرعاته لكن ليس كل صوت متناسب قرعاته غناء.
ضرورة أن الألحان العربية متناسبة القرعات ومع ذلك لا تكون غناء كما جعلت مقابله في الرواية المتقدمة ويشهد به الوجدان.
والمراد بالترجيع في موثقة أبي بصير ليس ترجيع الغناء كما تفسره الرواية المتقدمة، ولو حمل على ترجيع الغناء صارت معارضة لجميع الروايات الدالة على تحريم الغناء بل يصير مضمونها مخالفا للاجماع والضرورة، فإن الظاهر من التعليل أن الصوت الحسن الذي يرجع به ترجيعا محبوب عند الله فلو كان المراد به الغناء لزم منه أن يكون الغناء كذلك وهو كما ترى، وحملها على الغناء في القرآن بتقييدها بالأدلة المتقدمة: غير وجيه، لأنه مضافا إلى منافاته للتعليل الظاهر في القاء الكبرى الكلية مستلزم للتقييد الكثير المستهجن، وإن قلنا بجوازه في العرائس