ثم إن المحرم هل هو استماع الغيبة المحرمة، فتكون حرمته تابعة لحرمتها أو هو محرم مستقل في قبال الغيبة، من غير تبعية لها في الحكم. يمكن الاستدلال على استقلاله، وعدم تبعيته بالأخبار.
منها: حديث المناهي (1) وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن الغيبة والاستماع إليها، ونهى عن النميمة والاستماع إليها، بأن يقال: إن الظاهر أن النهي متعلق باستماع طبيعة الغيبة، لا الغيبة المنهي عنها كما أن النهي عن الغيبة لم يتعلق بالغيبة المنهي عنها.
وإن شئت قلت: إن الظاهر أن متعلق النهي في الأول ومتعلق المتعلق في الثاني شئ واحد، وهو نفس طبيعتها، وكما أن مقتضى الاطلاق في قوله:
نهى عن الغيبة حرمتها سواء حرم استماعها على المستمع أم لا فكذلك مقتضى اطلاق قوله: والاستماع إليها حرمته سواء حرمت الغيبة على المغتاب أم لا، وبذلك يعلم عدم تبعيته لها في الحكم، إلا أن يناقش في اطلاق حديث المناهي بأن يقال: إن نفس مناهي الرسول صلى الله عليه وآله ليست بأيدينا حتى يمكن الأخذ باطلاقها والرواية الحاكية عنها إنما جمع فيها شتات الأحاديث والنواهي الواردة بألفاظ غير مذكورة فيها، وإنما هي في مقام عدها بنحو الاجمال والاهمال، وليس فيها اطلاق، وبالجملة لا اطلاق في الحاكي لكونه في مقام عد أصل المناهي بنحو الاهمال، ولا أقل من عدم احراز كونه في مقام بيان كل عنوان بخصوصياتها، ولا علم لنا بالمحكي عنه.
ومنها ما عن جامع الأخبار عن سعيد بن جبير (2) قال صلى الله عليه وآله: ما عمر مجلس بالغيبة إلا خرب من الدين، فتنزهوا أسماعكم من استماع الغيبة، فإن القائل و المستمع لها شريكان في الإثم، بأن يقال: إن اطلاق قوله فتنزهوا أسماعكم يقتضي عدم جواز الاستماع مطلقا، وكونه تفريعا على الجملة السابقة المذكورة