ففي كل مورد ليس الدليل إلا الأدلة العامة يحكم بجواز الانتفاع به، وجواز البيع في ما ينتفع به، كالبول مما لا يؤكل لحمه والمني، لعدم الدليل فيهما بالخصوص، فيجوز الانتفاع بهما في غير الشرب والأكل، وبيعهما، لو فرض لهما منفعة عقلائية كمني الحيوانات للتلقيح المتعارف في هذا العصر.
بقي الكلام في موارد خاصة، وردت فيها روايات يجب التعرض لها بالخصوص.
منها الدم، والأظهر فيه جواز الانتفاع به في غير الأكل، وجواز بيعه لذلك.
فإن ما وردت فيه من الآية والرواية لا تدل على حرمة الانتفاع به مطلقا، فقد تقدم الكلام في الآية الكريمة، مع أنه لم يكن في تلك الأعصار للدم نفع غير الأكل، فالتحريم منصرف إليه، ومنه يظهر حال الروايات الدالة على حرمة سبعة أشياء من الذبيحة، منها الدم، فإن الظاهر منها حرمة الأكل، كما تشهد به نفس الروايات فإن في جملة منها: لا يؤكل من الشاة كذا وكذا، ومنها الدم (1) وهي قرينة على أن المراد من قوله: حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم والخصيتان (2) هو حرمة الأكل مع أن المذكورات لم يكن لها نفع في تلك الأعصار إلا الأكل. فلا شبهة في قصور الأدلة عن اثبات حرمة سائر الانتفاعات من الدم، ويتضح مما ذكر أن النهي عن بيع سبعة أشياء منها الدم (في مرفوعة أبي يحيى الواسطي) (3) يراد به البيع للأكل، لتعارف أكله في تلك الأمكنة والأزمنة، كما يشهد به الروايات، فالأشبه جواز بيعه إذا كان له نفع عقلائي في هذا العصر، والظاهر من شتات كلمات الفقهاء أيضا: دوران حرمة التكسب بالنجاسات مدار عدم جواز الانتفاع، كما مرت جملة من كلماتهم. وبهذا يظهر لزوم ارجاع محكي اجماع النهاية في الدم على ذلك، سيما مع تعليله بعدم الانتفاع به ومنها العذرة، لا ينبغي الاشكال في جواز الانتفاع بأرواث مأكول اللحم، وكذا جواز بيعها وسائر القلب فيها عدا الأكل للسيرة المستمرة بين المسلمين