وفيه أو لا ممنوعية رجوع الضمير إلى الرجس، إذ من المحتمل رجوع إلي عمل الشيطان، بل لعله الأنسب في مقام التأكيد عن لزوم التجنب عن المذكورات ولو سلم رجوعه إليه، لا يسلم الرجوع إليه مطلقا، بل مع قيد كونه من عمل الشيطان، وإلا فلو كانت علة وجوب الاجتناب كون الشئ رجسا لم يكن ذكر عمل الشيطان مناسبا. والرجوع إلى كل منهما مستقلا لو فرض امكانه خلاف الظاهر، فيمكن أن يقال (بعد رجوع الضمير إلى الرجس الذي من عمل الشيطان): إن الرجس على نوعين، ما هو من عمله يجب الاجتناب عنه، وما ليس كذلك لا يجب، فتدل أو تشعر على جواز الانتفاع في الجملة بالنجاسات.
وثانيا أن الظاهر منها ولو بمناسبة قوله من عمل الشيطان، وبقرينة قوله متصلا به: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة إن شرب الخمر والمقامرة وعبادة الأوثان رجس من عمله، لا بنحو المجاز في الحذف، بل بادعاء أن لا خاصية للخمر إلا شربها، و لا للميسر إلا اللعب، إذا كان المراد به آلاته، وأما إن كان المراد اللعب بالآلة فلا دعوى فيه، ويكون قرينة على أن المراد بالخمر أيضا شربه، وبالأنصاب عبادتها، بنحو ما مر من الدعوى، فإن ايقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، إنما هو بشرب الخمر والمقامرة، وامساكها للتخليل ليس من عمل الشيطان، ولا آلة له لايقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله، هذا مع أن في كون الرجس بمعنى النجس المعهود اشكالا، فإنه (على ما في كتب اللغة) جاء بمعان، منها العمل القبيح، فدار الأمر بين حمله على الرجس بمعنى القذر المعهود، وارتكاب التجوز في الآية زائدا على الدعوى المتقدمة، أو حمله على القبيح وحفظ ظهورها من هذه الحيثية، والثاني أولى. مع أن في تنزيل عبادة الأوثان (التي هي كفر بالله العظيم) منزلة القذارة ، أو تنزيل نفسها منزلتها (أي منزلة القذارة الصورية في وجوب الاجتناب) ما لا يخفى من الوهن، فإنه من تنزيل العظيم منزلة الحقير في مورد يقتضي التعظيم (تأمل) ومنه آية تحريم الخبائث، بتقريب أن النجاسات والمتنجسات من الخبيثات