وبعبارة أخرى أن الظاهر من الأخبار هو أن الغناء تمام الموضوع لصدق قول الزور عليه ومستعمل فيه، فعلى الاحتمال الذي رجحه الشيخ لا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر مع عدم حفظ ظهور الآية أيضا، فإن ظاهرها حرمة قول الزور والحمل على الغناء بما ذكر حمل على غير مدلولها بحسب فهم العرف بل هو حملها على قسم خاص منه (تأمل)، وبين حفظ ظهور الأحبار وحملها على الغناء بالمعنى الحقيقي المعروف مع حفظ ظاهر الآية من حيث تعميمها بالنسبة إلى جميع الأقوال الباطلة ، وأن نعممهما لأمر آخر لم نعممها له لولا الأخبار، وهو إرادة الزور باعتبار الوصف الحاصل له وهو الغناء، والحاصل أنه بناء على ما رجحه الشيخ في معنى الآية بضميمة الروايات أن الغناء ليس قول الزور ولا هو قول الزور، وأما على ما ذكرناه أنه هو لاتحادهما خارجا وصدق أحدهما على الآخر بالحمل الشايع، ولو فرضت المناقشة فيما ذكرناه فلا أقل من دخول الغناء تعبدا فيه، ومقتضى اطلاق الأدلة أنه بذاته وبلا قيد قول الزور.
نعم هنا اشكال آخر وهو أن قول الزوران كان مطلق الباطل المقابل للحق والمراد بالباطل ما لا يكون فيه غرض عقلائي وما دخالة له في المعاش والمعاد: فلا شبهة في عدم حرمته بهذا الاطلاق، وبهذا العرض العريض فيدور الأمر بين حفظ ظهور هيئة الأمر في قوله: واجتنبوا قول الزور في الوجوب، وتقييد قول الزور بقسم خاص وهو المحرمات الشرعية، فتكون الآية لبيان اجمال ما فصل في الشريعة من المحرمات كقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث (1) بناء على أن المراد بها المحرمات وبين حفظ اطلاق قول الزور وحمل الأمر على الرجحان المطلق، ولا ترجيح للأول إن لم نقبل أنه للثاني، لشيوع استعمال الأمر في غير الوجوب وبعد رفع اليد عن الاطلاق، وعليه لأدلة للآية الكريمة ولا للأخبار الدالة على أن قول الزور الغناء على حرمته.
ويمكن أن يجاب عنه بأن سياق الآية وذكر قوله: واجتنبوا قول الزور في تلو اجتنبوا الرجس من الأوثان: يوجب قوة ظهور في أن الأمر للوجوب سيما مع اشعار مادة الاجتناب بذلك، فيصير قرينة على أن المراد من قول الزور ليس مطلق