الذي يكون غنيا عن السبب والمقوم فالعلم به اما ان يكون أوليا بديهيا (1) واما ان يكون مأيوسا عن معرفته واما ان لا يكون إليه طريق الا بالاستدلال عليه باثاره ولوازمه وحينئذ لا يعرف كنه حقيقته وماهيته والواجب سبحانه لا برهان عليه ولا حد له (2) إذ لا سبب له بوجه من الوجوه لا سبب الوجود كالفاعل والغاية ولا سبب القوام كالمادة و الصورة ولا سبب الماهية كالجنس والفصل ومع ذلك لا يخلو منه شئ من الأشياء وهو البرهان على كل شئ وأقرب من كل شئ إلى كل شئ كما قال عز من قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقال وهو معكم أينما كنتم (3) وهو البرهان على ذاته كما قال شهد الله انه لا اله الا الا هو وقال أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد وقال قل أي شئ أكبر شهادة قل الله واعلم أن في هذا المقام اشكالا عظيما سيما على طريقتنا في باب الوجود من أن العلية والمعلولية ليست الا في حقيقة الوجود والماهية مجعولة بالعرض فيرد حينئذ ان علم الانسان بنفسه هو عين وجود نفسه ووجود نفسه من جمله الأمور التي هي ذوات المبادئ وقد ثبت ان العلم بذى المبدء لا يحصل الا من العلم بمبدئه ومبدء وجود الشئ لا يكون الا وجود مبدئه وإذا كان العلم بذى المبدء في غاية الوثاقة والقوة يجب ان يكون العلم بمبدئه كذلك في غاية الوثاقة والقوة ثم لا أوثق ولا أقوى من علمنا بنفوسنا لان علمنا بذاتنا عين ذاتنا ولا يمكن ان يكون حصول شئ لشئ أقوى من حصول شئ لذاته فكذلك يجب ان يكون علمنا بمبدء نفوسنا لكن مبدء نفوسنا ينتهى إلى واجب الوجود لذاته وقد مر ان العلم بحقيقة واجب الوجود
(٤٠٠)