فصل في أن التعلم ليس بتذكر هذا القول أي كون العلم تذكرا أقرب إلى الصواب من القول السابق و كان المحققين من القائلين بقدم النفوس لما عرفوا بطلان قول من قال علم النفس بالمعلومات امر ذاتي تركوا ذلك وزعموا انها كانت قبل التعلق بالأبدان عالمه بالمعلومات وتلك العلوم غير ذاتية لها فلا جرم زالت بسبب استغراقها في تدبير البدن ثم إن الأفكار كالتذكرات لتلك العلوم الزائلة فيكون التعلم تذكرا.
وربما احتجوا على هذا الرأي بان قالوا التفكر طلب وطلب المجهول المطلق محال وإن كان طلب الحاصل أيضا محالا فان من طلب شيئا فإذا وجده يعرف انه الذي كان طالبا له كالذي يعرف عبده الآبق إذا وجده بعد إباقه عرف انه هو ذلك العبد بعينه ولو لم تكن العلوم حاصله قبل الطلب لا يمكن طلبها واكتسابها فاما ان قلنا إن هذه العلوم كانت حاصله والتفكر تذكر فلا جرم إذا وجدها الطالب المتفكر لا بد وان يعرف انها التي كانت مطلوبه له.
والجواب ان البرهان على حدوث النفس مما سيأتي واما الذي ذكروه فهو شبهة مشهورة مذكورة في أوائل كتب الميزان مع حلها وهو ان كل قضية لها موضوع ومحمول ونسبه بينهما فإذا كانت مطلوبه يجب ان لا يكون تصور الطرفين أو تصور النسبة بينهما بل المطلوب هو ايقاع تلك النسبة أو انتزاعها أي الحكم بثبوتها أو لا ثبوتها فإذا وقعت الفكرة وتأدت إلى الاذعان بها أو بسلبها عرفنا ان المطلوب قد حصل فالمطلوب كان معلوما من وجه التصور وإن كان مجهولا