أما إذا نظرت إلى وجوده الخاص فوجوده الخاص يتقوم بوجود علته الخاصة (1) فلا يمكن العلم التام بخصوص هويته الوجودية الا من جهة العلم بحقيقة علته الخاصة وكما أنه بالنظر إلى ماهيته الإمكانية غير موجودة ولا واجبه وبالنظر إلى سببه يصير واجب الكون ممتنع التغير (2) فكذلك العلم الحاصل بماهيته لا يقتضى وجوب العلم بوجود علته ووجوبها ولكن العلم اليقيني بوجوده الخاص لا يحصل الا من العلم بسببه وبالعلم بسببه يصير واجب العلم ممتنع التغير وكما أن وجوده لا يحصل الا من علة واحده لامتناع توارد العلتين على معلول واحد فكذلك العلم به يستحيل ان يحصل من جهة أخرى وهي غير جهة العلم بسببه والا لكان لشئ واحد من جهة واحده سببان تامان سبب يحصل به وجوده وسبب يحصل به العلم بوجوده (3) وهو محال لأن المفروض ان العلم به متحد معه وإذا كان وجود الشئ مطابقا للعلم به يجب ان يكون وجود علته مطابقا للعلم بعلته لان وحده المعلول يستلزم وحده علته فثبت ان العلم بوجود ذوات المبادئ لا يحصل الا من جهة العلم بمباديها.
ولقائل ان يقول انا إذا علمنا وجود البناء علمنا أن له بانيا مع أن البناء لا يكون علة للباني بل الامر بالعكس.
فنقول العلم بالبناء لا يوجب العلم بالباني بل يوجب العلم باحتياج البناء إلى بناء واحتياجه إلى البناء حكم لاحق لذاته لازم له معلول لماهيته فيكون ذلك استدلالا بالعلة على المعلول ثم العلم بحاجة شئ إلى شئ لما كان مشروطا بالعلم بكل واحد منهما لا جرم صار الباني معلوما (4) لكون العلم بالإضافة إليه