فنقول ان للعاقلية حقيقة وللمعقولية حقيقة فلو كان مرجع إحداهما إلى الأخرى لكان متى يثبت إحداهما يثبت الأخرى كما أنه لما كان المرجع بالانسان والبشر إلى ماهية واحده حتى كانا اسمين لمفهوم واحد لا جرم متى ثبت أحدهما ثبت الاخر ولما أمكننا ان نفهم ماهية العاقلية عند الذهول عن المعقولية وكذلك بالعكس عرفنا ان ماهيتها مغايرة لماهية المعقولية وإذا ثبت تغاير الصفتين ثبت تغايرهما عندما كان العاقل والمعقول واحدا لأنه إذا ثبت تغاير أمرين في موضع ثبت تغايرهما في كل المواضع فالسواد إذا كان مخالفا للحركة في الماهية كانت تلك المخالفة حاصله في جميع المواضع.
فاما قوله يستحيل ان يعقل من الشئ كونه عاقلا لذاته الا إذا عقل منه كونه معقولا لذاته فنقول ان هذه الملازمة لا يمنع من اختلاف المعلومين فان العلم بالأبوة يلازم العلم بالبنوة وإن كان المعلومان مختلفين في ذاتيهما أرأيت لو فرضنا كون الشئ محركا فالعلم بالمحركية هناك يلازم العلم بالمتحركية مع أنه لا يلزم ان يكون مفهوم المحركية هو بعينه مفهوم المتحركية فظهر ان كون الشئ عاقلا يغاير كونه معقولا بل الذات التي عرضت لها إحداهما هي بعينها قد عرضت لها الصفة الأخرى واما ان كونه عقلا يغاير كونه عاقلا ومعقولا فهو أظهر انتهى كلامه.
أقول هذا الفاضل مع كثره خوضه في الأبحاث لم يفهم الفرق بين مفهوم الشئ ووجوده وتوهم ان المغايرة في المفهوم عين المغايرة في الوجود ولم يتفطن بان صفات الله تعالى الذاتية الكمالية كعلمه وقدرته وارادته وحياته و سمعه وبصره كلها ذات واحده وهوية واحده ووجود واحد وكذا وجوبه و وجوده ووحدته كلها حقيقة واحده بلا اختلاف جهة لا في العقل ولا في الخارج ولا بحسب التحليل بنحو من الأنحاء وأيضا لا شبهه في أن ذاتيات الشئ مفهومات كثيره ومع ذلك كلها موجودة بوجود واحد سيما في البسيط الخارجي وان كانت في ظرف العقل متعددة فعلم أن كون بعض المفهومات متغايرة في موضع لا يقتضى