المدرك الذي لا يكون كذلك فيكون ادراكه تاما فإنه يكون محيطا بالكل عالما بان أي حادث يوجد في أي زمان من الأزمنة وكم يكون من المدة بينه وبين الحادث الذي يتقدمه أو يتأخر عنه ولا يحكم بالعدم على شئ من ذلك بل بدل ما يحكم المدرك الأول بان الماضي ليس موجودا في الحال يحكم بان كل موجود في زمان معين لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الأزمنة التي قبله أو بعده ويكون عالما بان كل شخص في أي جزء يوجد من المكان وأي نسبه يكون بينه وبين ما عداه مما يقع في جميع جهاته وكم الابعاد بينهما جميعا على الوجه المطابق للوجود ولا يحكم على شئ بأنه موجود الان أو معدوم أو موجود هناك أو معدوم أو حاضر أو غائب لأنه ليس بزماني ولا مكاني بل نسبه جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبه واحده وانما يختص بالآن أو بهذا المكان أو بالحضور والغيبة أو بان هذا الجسم قدامي أو خلفي أو تحتي من يقع وجوده في زمان معين ومكان معين وعلمه بجميع الموجودات أتم العلوم وأكملها وهذا هو المفسر بالعلم بالجزئيات على الوجه الكلى واليه أشير بطي السماوات التي هي جامع الأزمنة والأمكنة كلها كطي السجل للكتب فان القاري للسجل يتعلق نظره بحرف حرف على الولاء ويغيب عنه ما تقدم نظره إليه أو يتأخر اما الذي بيده السجل مطويا يكون نسبته إلى جميع الحروف نسبه واحده ولا يفوته شئ منها وظاهر ان هذا النوع من الادراك لا يمكن الا ان يكون ذاته غير زماني وغير مكاني ويدرك لا باله من الآلات ولا بتوسط شئ من الصور ولا يمكن ان يكون شئ من الأشياء كليا كان أو جزئيا على أي وجه كان الا وهو عالم به فلا يسقط من ورقه الا يعلمها ولا حبه في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا جميعها يثبت عنده في الكتاب المبين الذي هو دفتر الوجود فان بالوجود يبين كل شئ مما مضى أو حضر أو يستقبل أو يوصف بهذه الصفات على أي وجه كان اما العلم بالجزئيات على الوجه الجزئي المذكور فهو لا يصح الا لمن يدرك ادراكا حسيا باله جسمانية في وقت معين ومكان معين وكما أن الباري تعالى يقال إنه عالم بالمذوقات والمشمومات والملموسات ولا يقال
(٤١١)