فصل في أن الحواس لا تعلم أن للمحسوس وجودا بل هذا شان العقل ان الادراكات الحسية يلزمها انفعال آلات الحواس وحصول صور المحسوسات سواء كانت في آلات الحواس كما هو المشهور وعليه الجمهور أو عند النفس بواسطة مظهريتها كما هو الحق فهو انما يكون بسبب استعداد مادة الحاسة له فان لامسه أيدينا مثلا انما تحس بالحرارة وتتأثر عنها للاستعداد الذي هو فيها والبصر انما يقع فيه الاحساس بصوره المبصر للاستعداد الذي هو فيه والسمع انما يحصل فيه الصوت للاستعداد الذي هو فيه وليس للحواس الا الاحساس فقط وهو حصول صوره المحسوس فيها أو في النفس بواسطة استعمالها فالحواس أو النفس الحساسة بما هي حساسة ليس لها علم بان للمحسوس وجودا في الخارج (1) انما ذلك مما يعرف بطريق التجربة فهو شان العقل أو النفس المتفكر وليس شان الحس ولا الخيال (2) والدليل على صحه ما ذكرناه ان المجنون مثلا قد تحصل في حسه المشترك صور يراها فيه ولا يكون لها وجود من خارج ويقول ما هذه المبصرات التي أراها
(٤٩٨)