فان قلت إذا حصل العلم بخصوصية وجود معلول من المعاليل علما حضوريا شهوديا بحيث لا يكون بصوره زائدة على نفس الوجود بل بحيث لا يغيب الشهود عن الوجود فعند ذلك لا بد وان يجب من ذلك العلم لخصوصية ذات العلة أيضا فلا فرق بين العلمين أي العلم بالعلة والعلم بالمعلول في كون كل منهما مقتضيا للاخر.
قلنا ليس الامر كذلك لما علمت أن وجود العلة أقوى من وجود المعلول فكما ان وجود المعلول لقصوره وضعفه لا يحيط بوجود العلة ولا يبلغ أيضا إلى مثله فكذلك العلم به لا يقتضى البلوغ إلى الإحاطة بوجودها ولا نيل مرتبتها في الوجود ولهذا المعنى قال يعقوب بن إسحاق الكندي إذا كانت العلة الأولى متصلة بما يفيضه علينا وكنا غير متصلين به الا من جهته فقد يمكن فينا ملاحظته على قدر ما يمكن المفاض عليه ان يلحظ الفائض فيجب الا ينسب قدر احاطته بنا إلى قدر ملاحظتنا له لأنها أغرز وأوفر وأشد استغراقا لنا وإذا كان الامر كذلك فقد بعد عن الحق بعدا كثيرا من ظن أن العلة الأولى لا يعلم الجزئيات انتهى